للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَ دَفَعَ فِدَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ دِيَةِ الْيَدِ وَمِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَمْلُوكِ مَوْلَاهُ مُعْتَبَرَةٌ إذَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ إيجَابِ الضَّمَانِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْأُمِّ حَقُّ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ فَكَانَتْ جِنَايَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهَا مُعْتَبَرَةً قَضَاءً لِحَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ.

وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى أَطْرَافِ الْعَبْدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّ فِيهِ الدِّيَةُ يَجِبُ فِي الْعَبْدِ الْقِيمَةُ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَفِيهِ مِنْ الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ وَأَكْثَرَ يُنْقَصُ عَشَرَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ فَفِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ أَنَّهُ يَجِبُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا يُقَوَّمُ صَحِيحًا وَيُقَوَّمُ مَنْقُوصًا بِالْجِنَايَةِ فَيَجِبُ فَضْلُ مَا بَيْنِ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا أَنَّ ضَمَانَ أَطْرَافِ الْعَبِيدِ ضَمَانُ أَمْوَالٍ لِأَنَّ أَطْرَافَ الْعَبِيدِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ حَرْبًا لِلنَّفْسِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ وَلَهُ أَنَّ الْأَطْرَافَ مِنْ جُمْلَةِ النُّفُوسِ حَقِيقَةً لِأَنَّ النَّفْسَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْأَطْرَافِ وَفِي إتْلَافِهَا إتْلَافُ النَّفْسِ وَفِي اسْتِكْمَالِهَا كَمَالُ النَّفْسِ لَكِنْ فِيهَا مَعْنَى الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا خُلِقَتْ لِمَانِعِ النَّفْسِ وَمَصَالِحِهَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا فَلَا يَجُوزُ إخْلَاءُ النَّفْسِيَّةِ عَنْ أَطْرَافِ الْعَبِيدِ بِالْكُلِّيَّةِ.

وَبِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ فِيهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مُقَدَّرًا كَالْأَطْرَافِ وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهَا أَوْجَبْنَا ضَمَانَهَا عَلَى الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَأَمَّا تَقْرِيرُ الضَّمَانِ بِمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِالنُّفُوسِ مُلَائِمٌ لِلْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ ضَمَانَ عَيْنِ الْبَقَرِ وَالْفَرَسِ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ قِيمَتِهِ فَصَارَ الْعَبْدُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ بَعْدَ الْقَطْعِ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْقَطْعِ ثُمَّ قَطَعَ رَجُلٌ آخَرُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا ضَمِنَ الْأَوَّلُ سِتَّمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَالْآخَرُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَطَعَ يَدَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَغَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَبَقِيَتْ قِيمَةُ النِّصْفِ الْآخَرِ خَمْسَمِائَةٍ وَإِذَا زَادَتْ خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى صَارَتْ أَلْفًا فَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ لَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ قَاطِعِ الْيَدِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ فَبَقِيَ فِي حَقِّ قَاطِعِ الْيَدِ قِيمَةُ الْبَاقِي خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ قَاطِعُ الرِّجْلِ أَتْلَفَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ بَقِيَتْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ تَلِفَتْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا فَيَجِبُ عَلَى قَاطِعِ الْيَدِ نِصْفُ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَاطِعُ الرِّجْلِ حِينَ قَطَعَ رِجْلَهُ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا ضَمِنَ نِصْفَهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَبَقِيَ خَمْسُمِائَةٍ فِي حَقِّهِ وَقَدْ تَلِفَتْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتَيْنِ فَضَمِنَ نِصْفَهُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ يُضَمُّ ذَلِكَ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَتَصِيرُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَلَوْ صَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَهُوَ أَقْطَعُ فَعَلَى قَاطِعِ الرِّجْلِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ قَاطِعِ الْيَدِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَصَارَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِمَنْزِلَةٍ فَعَلَيْهِ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ كَمَا وَصَفْنَا فَأَمَّا قَاطِعُ الرِّجْلِ بِالْقَطْعِ أَتْلَفَ نِصْفَهُ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ وَهِيَ أَلْفٌ وَأَلْفٌ تَلِفَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَتَيْنِ يَغْرَمُ نِصْفَهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَيُضَمُّ خَمْسُمِائَةٍ إلَى الْأَلْفِ فَيَكُونُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ.

وَفِي النَّوَازِلِ رَوَى الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ أَوْ أَنْفَهُ أَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ فَلَمْ تَنْبُتْ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى قِيمَتَهُ تَامَّةً إنْ دُفِعَ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْفَائِتَ مِنْ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَبِفَوَاتِ الْجَمَالِ تَقِلُّ رَغَبَاتُ النَّاسِ فَتُنْتَقَصُ الْمَالِيَّةُ فَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا يَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ مِنْ الْحُرِّ كَمَالُ الدِّيَةِ فَيَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ مِنْ الْعَبْدِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ دِيَةَ أَطْرَافِ الْعَبْدِ مُقَدَّرَةٌ لِمَا بَيَّنَّا رَجُلٌ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ كَانَ عَلَى الْفَاقِئِ مَا نَقَصَهُ وَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَفْقُوءَ الْعَيْنَيْنِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى الْفَاقِئِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى إمْسَاكُ الْمَفْقُوءِ وَتَضْمِينُ النُّقْصَانِ وَإِنَّمَا لَهُ كَمَالُ الْقِيمَةِ وَتَمْلِيكُ الْجُثَّةِ مِنْهُ وَبِالْقَطْعِ الطَّارِئِ عَلَى الْمَفْقُوءِ امْتَنَعَ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ فَيُقَدَّرُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجِنَايَةَ تَقَرَّرَتْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ قَبْلَ الْقَطْعِ فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ السَّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ وَإِهْدَارُ الْجِنَايَةِ فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ صَوْنًا لِلذِّمَّةِ عَنْ الْهَدَرِ وَالْبُطْلَانِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَ آخَرُ خَطَأً فَاخْتَارَ الدَّفْعَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعَهُ لِوَلِيِّ الْعَمْدِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَدْفَعُ إلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِصَاحِبِ الْخَطَأِ وَثُلُثٌ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ.

وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْفَعُ نِصْفَهُ إلَى وَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعَهُ إلَى وَلِيِّ الْعَمْدِ وَيَبْقَى رُبْعُهُ لِلْمَوْلَى وَلِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>