للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحَلِفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَدُوِّ، وَفِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ صَارَتْ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِهَا اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْيَوْمَ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ، وَإِنْ كَانُوا بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ، وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ لَكِنَّ إيجَابَهَا فِيمَا هُوَ صِلَةٌ، وَهُوَ الْعَطَايَا أَوَّلًا مِنْ إيجَابِهَا فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ أَحَقُّ وَمَا تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّخْفِيفُ.

وَقَدْ حَصَلَ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ كَانَ يَأْبَى إيجَابَ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِإِيجَابِهِ مُؤَجَّلًا بِثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا مَرَّ آنِفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ التَّأْجِيلُ بِثَلَاثِ سِنِينَ إذْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّرْعَ الْوَارِدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ بِهِ، وَسَيَجِيءُ نَظِيرُ هَذَا فِي الْكِتَابِ فِي تَعْلِيلِ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا لَيْسَ بِحَالٍّ عِنْدَنَا بَلْ مُؤَجَّلًا بِثَلَاثِ سِنِينَ فَتَأَمَّلْ هَلْ يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ.

وَلَوْ خَرَجَتْ عَطَايَا ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ إذْ الْوُجُوبُ بِالْقَضَاءِ، وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ، وَهُوَ التَّخْفِيفُ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَجِبُ فِي سَنَتَيْنِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ تَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّ جَمْعَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَيَكُونُ كُلُّ ثُلُثٍ فِي سَنَةٍ ضَرُورَةً، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ كَالْوَاجِبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَجِبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا إذَا انْقَلَبَ الْقِصَاصُ مَالًا، وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا وَاحِدًا خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، وَهُوَ بَدَلُ النَّفْسِ فَيُؤَجَّلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدِّيَةُ وَالنَّقْلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِيوَانًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَيُنْقَصُ مِنْهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيفِ مُرَاعًى فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) لِتَحَقُّقِ مَعْنَى التَّخْفِيفِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَبِي الْقَاتِلِ وَأَبْنَائِهِ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ لِأَنَّ الضَّمَّ يَنْفِي الْحَرَجَ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عِنْدَ الْكَثْرَةِ، وَالْأَبْنَاءُ وَالْآبَاءُ لَا يَكْثُرُونَ قَالُوا هَذَا فِي حَقِّ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا أَنْسَابَهُمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُمْ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَقَدْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ بِالْمَحَالِّ وَالْقُرْبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ رَأَى يُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَيَسْتَوِي بَيْنَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ كُلُّهُ صِلَةٌ فَيُعْتَبَرُ بِالزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ يُؤْخَذُ كُلَّمَا خَرَجَ رِزْقٌ ثُلُثُ الدِّيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَايَا، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ أَيْسَرُ لَهُمْ، وَالْأَخْذُ مِنْ الْأَرْزَاقِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ إذْ الْأَرْزَاقُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ، وَيَتَضَرَّرُونَ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ، وَالْأَعْطِيَةِ لِيَكُونُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي الدِّيوَانِ قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ فَتَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ مِنْهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) أَيْ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكُلُّ فَكَذَا الْبَعْضُ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ قُلْنَا إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ إيجَابُ الْبَعْضِ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِالنُّصْرَةِ، وَلَا يَنْصُرُ نَفْسَهُ مِثْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>