للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قَالَ قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا قَالَ قُلْتُ: فَالثُّلُثُ قَالَ فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ، وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُمْ عَنْ الْمَالِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُظْهِرْ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ تَقْصِيرَهُ، وَأَظْهَرَهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَمَّا يُتَّفَقُ لَهُمْ مِنْ التَّأَذِّي بِالْإِيثَارِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» ، وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَقَوْلُهُ مُسْتَحَبَّةٌ إلَخْ الْأَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ قَلِيلَ الْمَالِ أَنْ لَا يُوصِيَ بِشَيْءٍ، وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَنْ يُوصِيَ بِمَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ.

وَقَدْرُ الْأَغْنِيَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا تَرَكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ دُونَ الْوَصِيَّةِ، وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَفِي الْمُوصِي الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْوَاجِبَاتِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بَدَأَ بِالْقَرَابَةِ فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَالْجِيرَانُ، وَفِي الْفَتَاوَى عَامِلُ السُّلْطَانِ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ كَذَا كَذَا مِنْ مَالِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ عُلِمَ بِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِمَالِ غَيْرِهِ جَازَ أَخْذُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْجَوَازُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْخَلْطِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَوْصَى أَنْ يُنْفَقَ عَلَى فَرَسِ فُلَانٍ جَازَ، وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَلَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمُ النَّفَاذِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَعْنِي لَا يَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِي حَقِّ الْفَاضِلِ عَلَى الثُّلُثِ بَلْ فِي حَقِّ الثُّلُثِ فَقَطْ لَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ أَصْلًا فَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ جَازَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَبِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ ذَلِكَ قُلْتُ: يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ وَصَايَا مُتَعَدِّدَةٍ بِأَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثَيْ مَالِي فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ أَوْصَيْت لَهُ بِثُلُثِهِ دُونَ الزَّائِدِ وَالْوَصِيَّةُ تَارَةً تَكُونُ مُنَجَّزَةً.

وَتَارَةً مُعَلَّقَةً بِشَرْطٍ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَهَذَا جَائِزٌ إنْ قَبِلَ ذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ يُنْفَقُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ أَوْ مَاتَ الْمُوصِي، وَهُوَ غَائِبٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْوَصِيَّةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَدِمَ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَإِنْ قَدِمَ، وَقَبِلَ فَلَهُ مَا مَضَى قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ، وَقَالَ إنْ أَبَى فَهُوَ لِفُلَانٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَأْبَ فَالثُّلُثُ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ أَبَى كَانَ لِلْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ فَلِفُلَانٍ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ إنْ شَاءَ، وَإِنْ أَبَى فَهُوَ لِفُلَانٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ فَالثُّلُثُ مَرْدُودٌ عَلَى الْوَرَثَةِ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ، وَقَالَ إنْ لَمْ يَقْبَلْ فُلَانٌ مَا أَوْصَيْتُ لَهُ بِهِ أَوْ قَالَ إنْ رَدَّ فُلَانٌ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ فَهُوَ لِفُلَانٍ فَإِذَا الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلُ حَيًّا أَوْ كَانَ حَيًّا فَمَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ قَالَ هِيَ لِلثَّانِي كُلُّهَا قَالَ إنْ أَسْلَمَتْ جَارِيَتِي هَذِهِ فَأَعْتِقُوهَا فَبَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْبَيْعِ صَحَّ وَلَا تُرَدُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ أَوْصَيْتُ أَنْ يَخْدُمَ عَبْدِي فُلَانًا سَنَةً ثُمَّ هُوَ لِفُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ لَا أَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ قَالَ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ سَنَةً ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ وَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ لِلثَّانِي بِإِبَاءِ الْأَوَّلِ الْخِدْمَةَ قَالَ أَعْطُوهُ فُلَانًا بَعْدَ السَّنَةِ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ خَدَمَ تَمَامَ السَّنَةِ لِلْوَرَثَةِ ثُمَّ يُدْفَعُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ وَصِيَّةٌ فِيهَا يَمِينٌ، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كَهَذِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ أَرْضِي الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَغُلَامِي فُلَانٌ لِأُمِّ وَلَدِهِ فَيَصِيرُ مِيرَاثًا مِنْهَا ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْصَى أَنْ يُنْفَقَ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ مَا قَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَالَ إنْ تَزَوَّجَتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا فَتَزَوَّجَتْ، وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَرَجَعَتْ إلَى وَلَدِهَا لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهَا مَا كَانَ أَوْصَى بِهِ لَهَا، وَقَدْ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَتْ مِنْ بِلَادِهَا إلَى بِلَادٍ أُخْرَى، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا أَوْ جَاءَ مِنْهَا شَيْءٌ يُعْرَفُ أَنَّهَا قَدْ تَرَكَتْهُمْ، وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ فَلَا هَذِهِ الدَّارُ لَك عَلَى أَنْ تَحُجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّابَّةُ لَك عَلَى أَنْ تَغْزُوَا عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هِيَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>