للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فَأَمَّا إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اسْتِحْسَانًا عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْيَتَامَى، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِنَا أَحَدٌ يُسَمَّى فَقِيهًا غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ شَيْخُنَا، وَقَدْ اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، وَبَذَلَ مَالًا كَثِيرًا لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ حَتَّى نَادَوْهُ فِي مَجْلِسٍ أَيُّهَا الْفَقِيهُ، وَإِذَا أَوْصَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلْدَةِ كَذَا فَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِيهِ أَهْلَ الْفِقْهِ وَأَهْلَ الْحَدِيثِ وَلَا يُدْخِلُ فِيهِ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكْمَةَ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكَمَ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُونَ لَا ذِكْرَ فِيهِ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُونَ، وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُقَرَاءِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى مَدْرَسَةٍ مَنْسُوبَةٍ فِي كُورَةٍ كَذَا لَا يَدْخُلُ مُتَعَلِّمُو الْفِقْهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَيَتَنَاوَلُ مَنْ يَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ، وَيَسْمَعُ، وَيَكُونُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ سَوَاءً كَانَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ أَوْ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يَكُونُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْمَسَاكِينِ لِزَيْدٍ نِصْفُهُ وَلَهُمْ نِصْفُهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَالْمَسَاكِينِ كَانَ لِزَيْدٍ النِّصْفُ وَلِلْمَسَاكِينِ النِّصْفُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَأْخَذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمِائَةٍ لِرَجُلٍ، وَبِمِائَةٍ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا) لَهُ ثُلُثُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَبِأَرْبَعِمِائَةٍ لَهُ، وَبِمِائَتَيْنِ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا كَانَ لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً، وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] عَلَى الْمُسَاوَاةِ.

وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْأَوَّلِ لِاسْتِوَاءِ الْمَالَيْنِ فَيَأْخُذُ هُوَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ فَتَمَّ لَهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ، وَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الْمِائَةِ وَلَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الثَّانِيَةِ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ، وَلِآخَرَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ مُتَفَاوِتَةً لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيَكُونَانِ كَجِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهُمَا يَرَيَانِهَا فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ الْمُتَسَاوِيَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك أَوْ أَدْخَلْتُك أَوْ جَعَلْتُك مَعَهُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ لِأَنَّ لَفْظَ الِاشْتِرَاكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] وَقَدْ أَشْرَكَ الثَّالِثَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِائَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ، وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ إذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمِائَةِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ شَرِكَةٌ مَعَهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا يُعْتَبَرُ بِإِشْرَاكِهِ إيَّاهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَفَرِّقًا اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَمَنْ قَالَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيَّ شَيْئًا فَأَعْطَوْهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ رَأَى الْمُوصِي أَنْ يُعْطِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ قَصْدَهُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ قَصْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ فَيَسْعَى فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَيَجْعَلُ وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ فَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا هَذَا فَيُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ) (أَوْصَى بِوَصَايَا) أَيْ مَعَ ذَلِكَ (عُزِلَ الثُّلُثُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا، وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ، وَقِيلَ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْوَصَايَا) أَيْ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا عُزِلَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ لِأَنَّ الْوَصَايَا حُقُوقٌ مَعْلُومَةٌ فِي الثُّلُثِ، وَالْمِيرَاثُ مَعْلُومٌ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>