للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ، وَالْخَبَرُ بِنَاءً عَلَى الْمُخْبَرِ بِهِ فَكَانَ الْمُخْبَرُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ، وَالْخَبَرُ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُخْبَرُ عَنْهُ، وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْخَبَرُ أَصْلُهُ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ جَمِيعُ الْمِيرَاثِ فَالْوَصِيَّةُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ مُقَدَّمَةٌ فِي التَّنْفِيذِ فِي حَقِّ هَذَا الْوَارِثِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مُؤَخَّرَةٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ تَقَعُ نَافِذَةً مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ فَكَانَتْ وَصِيَّةً قَوِيَّةً مُسْتَحْكَمَةً فَتَكُونُ فِي التَّنْفِيذِ مُقَدَّمَةً.

وَالْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَاهِيَةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْإِجَازَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِهِ فَكَانَتْ مُؤَخَّرَةً عَنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ مُتَأَكِّدٌ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْوَارِثِ حَقُّهُ صَارَ كَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِيهِ، وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ الْمُطْلَقِ، وَهِيَ مَالِكِيَّتُهُ، وَأَهْلِيَّتُهُ امْرَأَةٌ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ، وَأَوْصَتْ بِنِصْفِ مَالِهَا لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ، وَلِلزَّوْجِ الثُّلُثُ، وَهُوَ نِصْفُ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ النِّصْفُ يَبْقَى سُدُسٌ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْأَجْنَبِيِّ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَصِيَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَكَانَتْ فِي التَّنْفِيذِ مُقَدَّمَةً فَصَارَ الثُّلُثُ مُسْتَحَقًّا بِالْوَصِيَّةِ فَيَبْطُلُ الْإِرْثُ فِيهِ فَيَبْقَى تَرِكَتُهَا ثُلُثَيْ الْمَالِ فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ ثُلُثُ الْكُلِّ يَبْقَى ثُلُثٌ آخَرُ، وَلَيْسَ لَهُ مُسْتَحَقٌّ بِالْمِيرَاثِ فَتَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ سُدُسٌ فَوَصَلَ إلَى الْمُوصَى لَهُ نِصْفُ الْمَالِ، وَبَقِيَ سُدُسٌ لَا وَصِيَّةَ وَلَا وَارِثَ فِيهِ فَيُصْرَفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَأَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ فَلِلْمَرْأَةِ السُّدُسُ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الثُّلُثَ صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْوَصِيَّةِ بَقِيَتْ التَّرِكَةُ بِثُلُثَيْ الْمَالِ فَلِلْمَرْأَةِ رُبُعُ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ، وَأَوْصَتْ لِقَاتِلِهَا بِالنِّصْفِ يَأْخُذُ الزَّوْجُ النِّصْفَ أَوَّلًا، وَلِلْقَاتِلِ النِّصْفُ الْآخَرُ، وَهِيَ وَصِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ فَيُقَدَّمُ الْمِيرَاثُ عَلَيْهَا فَيَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ أَوَّلًا نِصْفَ الْمَالِ بِالْإِرْثِ، وَالنِّصْفَ الْبَاقِي فَارِغٌ عَنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ لِلْقَاتِلِ.

كَمَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ فِي تَرِكَةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَلَوْ تَرَكَتْ عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، وَأَوْصَتْ بِأَحَدِهِمَا لِزَوْجِهَا فَلَهُ الْعَبْدَانِ بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِمَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِهِ فَيَكُونُ عَارِيًّا عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِفَقْدِ الْمَانِعِ أَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بِالثُّلُثِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى لَا تَنْفُذَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ مَحِلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ لِثَلَاثَةٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ، وَلَمْ يَدْرِ أَيْ وَالْوَارِثُ يَقُولُ لِكُلٍّ هَلَكَ حَقُّك بَطَلَتْ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَلَاثَةِ ثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ، وَهِيَ جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ لِثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثَوْبٍ فَضَاعَ مِنْهَا ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّهمْ، وَالْوَارِثُ يَجْحَدُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّك أَوْ حَقُّ أَحَدِكُمْ وَلَا يَدْرِي مَنْ هُوَ الْهَالِكُ فَلَا أَدْفَعُ إلَيْكُمْ شَيْئًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ، وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ، وَتَحْصِيلَ غَرَضِ الْمُوصِي فَيَبْطُلُ كَمَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالْوَارِثُ يَقُولُ إلَى آخِرِهِ، وَمَعْنَى جُحُودِهِمْ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ أَقُولُ: فِي ظَاهِرِ تَعْبِيرِ الْمُؤَلِّفِ هَاهُنَا فَسَادٌ لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا ضَاعَتْ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ مَعًا، وَالْغَرَضُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ضَيَاعَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِخُصُوصِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ فَإِنَّهُ كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.

بَلْ قَوْلُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ بِكَوْنِ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سِيَّمَا لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْإِمَامِ قَاضِي خَانْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِجُحُودِ الْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ حَقُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بَطَلَ وَلَا نَدْرِي مَنْ بَطَلَ حَقُّهُ، وَمَنْ بَقِيَ حَقُّهُ فَلَا نُسَلِّمُ إلَيْكُمْ شَيْئًا، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَعْنَى جُحُودِهِ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ الثَّوْبُ الَّذِي قَدْ هَلَكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّك فَكَأَنَّهُ سَامَحَ فِي الْعِبَارَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ، وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَعَ ظُهُورِ كَمَالِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا مَا بَقِيَ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ بِجَهَالَةٍ طَارِئَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا سَلَّمُوا الْبَاقِي زَالَ الْمَانِعُ فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَمَا كَانَتْ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِذِي الْجَيِّدِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الرَّدِيءِ ثُلُثَاهُ، وَلِذِي الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلٍّ) أَيْ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْجَيِّدِ، وَلِصَاحِبِ الرَّدِيءِ يُعْطَى

<<  <  ج: ص:  >  >>