للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشَايِخُ فِي كُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَظَنَّ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي أَدَّى إلَيْهَا التَّحَرِّي قِبْلَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَنَا وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَفِيهِ قَوْلٌ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يُصِيبُ الْحَقَّ لَا مَحَالَةَ وَلَا نَقُولُ بِهِ لَكِنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ مَرَّةً وَيُصِيبُ أُخْرَى. اهـ.

وَأَمَّا صَلَاتُهُ فَلَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هِيَ مُشْكِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمَا فِي هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي حَقِّهِ جِهَةُ التَّحَرِّي، وَقَدْ تَرَكَهَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ التَّحَرِّي تَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ التَّحَرِّي وَتَعْلِيلُهُمَا فِي تِلْكَ بِأَنَّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ مُجَرَّدُ حُصُولِهِ كَالسَّعْيِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي هَذِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الْعُدُولِ عَنْ جِهَةِ التَّحَرِّي إذَا ظَهَرَ صَوَابُهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الشَّرْعِ عَلَى الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ اعْتِقَادُ الْفَسَادِ عَنْ التَّحَرِّي فَإِذَا حَكَمَ بِالْفَسَادِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَزِمَ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي فَكَانَ ثُبُوتُ الْفَسَادِ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّوَابِ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ فَيُؤَاخَذُ بِاعْتِقَادِهِ الَّذِي لَيْسَ بِدَلِيلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَحَرٍّ وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ تَحَرَّى فَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيه عَلَى شَيْءٍ قِيلَ يُؤَخِّرُ وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ تَحَرَّى رَجُلٌ وَاسْتَوَى الْحَالَانِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ جَازَ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ جَازَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى بِالتَّحَرِّي فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَسْتَقْبِلُ. اهـ.

وَفِي الْبُغْيَةِ لَوْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ بِتَحَرٍّ، ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَتَحَوَّلَ وَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ التَّحَرِّي لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا يَجُوزُ لِلصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يُعِدْ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةِ تَحَرِّيه بِخِلَافِ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَجِسٌ حَيْثُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَلَاتُهُ) أَيْ صَلَاةُ الْمُصَلِّي إلَى غَيْرِ جِهَةِ تَحَرِّيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا) لِيَنْظُرَ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا ثَبَتَ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي عَدَمُ الْجَزْمِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِقَادَ الْفَسَادِ وَمُجَرَّدُ اعْتِقَادِ الْفَسَادِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْفَسَادَ لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّ دَلِيلَ الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ الِاعْتِقَادُ النَّاشِئُ عَنْهُ وَبِدُونِ الدَّلِيلِ الْمُعْتَبَرِ أَيْنَ يَجِيءُ الْفَسَادُ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ فَالْمُنَاسِبُ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ حَيْثُ قَالَ بِخِلَافِ صُورَةِ عَدَمِ التَّحَرِّي فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ الْفَسَادَ بَلْ هُوَ شَاكٌّ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ فَإِذَا ظَهَرَ إصَابَتُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْفِعْلِ زَالَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَتَقَرَّرَ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْبِنَاءُ إذَا عَلِمَ الْإِصَابَةَ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا قُلْنَا مِنْ لُزُومِ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ التَّمَامِ. اهـ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ إلَّا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَلَكِنَّ مَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ مَا إذَا صَلَّى مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا غَابَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَمْ يَظْهَرْ الْحَالُ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَرْفَعُهُ قَدْ يُظَنُّ جَرَيَانُ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَا فَيَقْتَضِي الصِّحَّةَ أَيْضًا وَيُجَابُ بِأَنَّ وُجُودَ الشَّكِّ هُنَا يُنَافِي كَوْنَ الْجَوَازِ هُوَ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُخَيَّرُ) أَيْ إنْ شَاءَ أَخَّرَ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى الصَّلَاةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَهَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي زَادِ الْفَقِيرِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ جَازَ مَا بِهِ وَعَبَّرَ عَنْ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ بِقِيلِ، قُلْتُ: وَذُكِرَ فِي آخِرِ الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَالرَّاجِحُ هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْأَخِيرُ لَا الْوَسَطُ وَلَا يَظْهَرُ مَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَيْفَ وَفِيهِ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ لِأَجْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ النَّهْيِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُكَلَّفًا بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ الْمُرَجِّحُ لِأَحَدِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَالطَّاعَةُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ جِهَتَهُ جِهَةُ تَحَرِّيهِ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ قِيلَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْجِهَةِ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ أَمْكَنَ فَلَهُ وَجْهٌ، وَأَمَّا أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ) أَيْ بِأَنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إلَى جِهَةٍ غَيْرِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>