للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُرَاعَى وَصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَرْضَ الْمُوصِي إلَّا بِالِاثْنَيْنِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي هَذَا السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الْعِلَّةِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ، وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَا وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفْءٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ.

وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ فَفِي الْوَلِيَّيْنِ أَوْلَى حَتْمًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَفِي الْوَصِيَّيْنِ اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ، فَلَا يَصِحُّ نَظِيرُ الْأَوَّلِ إيفَاءُ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا وَنَظِيرُ الثَّانِي اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا أَبَدًا وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتُهَا.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَأَوْصَى إلَى صَاحِبِهِ جَازَ وَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ: إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ فَقَالَ الَّذِي قَبِلَ لِلسَّاكِتِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: اشْتَرِ هَذَا لِلْمَيِّتِ فَقُلْ نَعَمْ كَانَ قَبُولًا لِلْوَصِيَّةِ وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ، وَقَالَ لَهُمَا ضَعَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَا ذَلِكَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَيَرْجِعُ الثُّلُثُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ جَعَلَتْ ثُلُثَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قَالَ يَجْعَلُ الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ، وَإِنْ شَاءَ يَقُولُ لِلثَّانِي مِنْهُمَا أَقْسِمْ أَنْتَ وَحْدَك وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَحْدَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَشْتَرِيَا مِنْ مَالِهِ عَبْدًا بِكَذَا دِرْهَمًا وَلِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا سَمَّاهُ الْمُوصِي هَلْ لِلْوَصِيِّ الْآخَرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ بِمَا نَصَّ الْمُوصِي.

قَالَ إنْ فَوَّضَ الْمُوصِي إلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ فِي ذَلِكَ فَشِرَاؤُهُ مِنْ صَاحِبِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ بَاعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْعَبْدِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَشْتَرِيَا جَمِيعًا لِلْمَيِّتِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: فَهَذَا أَصْوَبُ.

وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَقَالَ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِ فُلَانٍ قَالَ هُوَ وَصِيٌّ تَامٌّ، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِغَيْرِ رَأْيِ فُلَانٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ الثَّانِي هُوَ الْوَصِيُّ التَّامُّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ وَصِيٌّ نَاقِصٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا كِلَاهُمَا وَصِيَّانِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوَّلُ هُوَ الْوَصِيُّ وَبِهِ قَالَ نُصَيْرٌ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ إنْ قَالَ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُوَ الْوَصِيُّ خَاصَّةً وَإِنْ قَالَ لَا تَعْمَلْ إلَّا بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُمَا وَصِيَّانِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ، وَقَالَ بِالشُّهُودِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ شُهُودٍ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْهُ بِمَحْضَرِ فُلَانٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ فُلَانٍ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ لَا تَبِعْ إلَّا بِالشُّهُودِ أَوْ قَالَ لَا تَبِعْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ مَحْضَرِ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْمُوصِي بِعِلْمِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ إلَّا بِعِلْمِ فُلَانٍ.

وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ إلَى رَجُلَيْنِ، وَقَالَ لَهُمَا: ضَعَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا أَوْ قَالَ أَعْطَيَاهُ مِمَّنْ شِئْتُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أُعْطِيه فُلَانًا، وَقَالَ الْآخَرُ: أُعْطِيه فُلَانًا آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ أَوْصَى بِنَصِيبِ بَعْضِ وَلَدِهِ إلَى رَجُلٍ وَبِنَصِيبِ الْبَعْضِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فَهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَإِلَى آخَر أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُنْفِذَ وَصِيَّتَهُ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيٌّ عَلَى مَا سُمِّيَ لَهُ لَا يَدْخُلُ الْآخَرُ مَعَهُ.

وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدِ كَذَا إلَى رَجُلٍ وَبِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدِ كَذَا إلَى رَجُلٍ وَبِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدٍ أُخْرَى إلَى آخَرَ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إذَا جَعَلَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ وَجَعَلَ رَجُلًا آخَرَ وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ أَوْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا وَصِيًّا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَجَعَلَ الْآخَرَ وَصِيًّا فِي مَالِهِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى إلَى الْآخَرِ يَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى مَا شَرَطَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْوَصِيَّتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَمَعَهُمْ وَصِيُّ الْأُمِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ: جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا حَتَّى ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ أَنَّهُمَا أَعْتَقَا الْجَارِيَةَ وَاكْتَسَبَتْ اكْتِسَابًا ثُمَّ مَاتَتْ وَأَوْصَتْ إلَى رَجُلٍ وَلَمْ تَدَعْ وَارِثًا غَيْرَ ابْنِهَا هَذَا وَهُوَ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ كَانَ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْوَلَدِ وَحِفْظُهُ لِلْوَلَدَيْنِ لَا لِوَصِيِّ الْأُمِّ فَإِنْ غَابَ الْوَالِدَانِ تَظْهَرُ وِلَايَةُ وَصِيِّ الْأُمِّ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>