الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] وَمَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ لَهَا وَيَسْقُطْنَ بِالْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ آخَرُ لِأَبٍ فَيَعْصِبُهُنَّ لِمَا تَلَوْنَا وَبَيَّنَّا وَيَأْتِي فِيهِنَّ خِلَافُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْكَلَامُ فِي الْأَخَوَاتِ كَالْكَلَامِ فِي الْبَنَاتِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِنَّ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي الْبَنَاتِ فَاسْتَغْنَيْنَا عَنْ الْبَحْثِ فِيهِنَّ بِالْبَحْثِ فِي الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْبَحْثِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَصَبُهُنَّ إخْوَتُهُنَّ) يَعْنِي يَعْصِبُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ إخْوَتُهُنَّ يَعْنِي الْمُوَازِي لَهُنَّ وَالْإِخْوَةُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَكَذَا يَعْصِبُهُنَّ الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَخِ الْمُوَازِي لَهُنَّ فَيُقَاسِمُهَا الْجَدُّ وَفِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ وَلَا يَعْصِبُهُنَّ الشَّقِيقَةُ الْأَخُ لِأَبٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي النَّسَبِ بَلْ تَأْخُذُ فَرْضَهَا وَلَا يَعْصِبُ الْأُخْتَ لِأَبٍ أَخٌ شَقِيقٌ بَلْ يَحْجُبُهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهَا إجْمَاعًا. اهـ.
دَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً} [النساء: ١٧٦] الْآيَةُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ) يَعْنِي يَعْصِبُ الْأَخَوَاتِ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً» «وَوَرَّثَ مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبِنْتَ النِّصْفَ وَالْأُخْتَ النِّصْفَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ يَوْمَئِذٍ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ» وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْبِنْتَ مِمَّنْ يُعْصَبُ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ مَجَازٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا تَعْصِبُهُنَّ وَإِنَّمَا يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ بِنَفْسِهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَيْفَ تَعْصِبُ غَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ عَنْ قَرِيبٍ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْأَخَوَاتِ بِالْبِنْتِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ الْبَاقِي كُلُّهُ لِلْإِخْوَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] قِيلَ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَ الْبِنْتِ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِي لِلْأَخِ وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] هُوَ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] فَإِرْثُهَا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوَلَدِ وَاسْمُ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَجَبَ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ وَالزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمْنِ بِالْوَلَدِ وَالْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَاسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلِلْجُمْهُورِ مَا رَوَيْنَا وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ فِيمَا تَلَا إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِهَا النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا لَا تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ فَرْضًا وَإِنَّمَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا الذَّكَرُ، وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ يَعْنِي أَخَاهَا يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ذَكَرٌ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأَخَ يَرِثُ تَعْصِيبًا مَعَ الْأُنْثَى مِنْ الْأَوْلَادِ أَوْ نَقُولُ: اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِ الْأَخِ جَمِيعَ مَالِهَا وَذَلِكَ يَمْتَنِعُ بِالْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثُ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: ١٢] قَوْلُهُ {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] وَالْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأُمِّ وَالْأَبِ مَذْكُورُونَ فِي آيَةِ النِّصْفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُهُمْ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ وَإِطْلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ كَمَا إذَا قَالَ شَرِيكِي فُلَانٌ فِي هَذَا الْمَالِ أَوْ قَالَ لَهُ شَرِكَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَهُمَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اسْتِوَائِهِمَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ، وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونُوا إخْوَةً لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْ لِأَبٍ فَقَطْ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا امْرَأَةٌ وَابْنٌ مِنْهَا، ثُمَّ إنَّ الْأَكْبَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا الْأَصْغَرُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَصْغَرُ وَالْأَكْبَرُ، ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الْأَكْبَرِ فَقَدْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ سَبْعَةٌ سَهْمَانِ فَرْضٌ وَخَمْسَةٌ بِالتَّعْصِيبِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُجِبْنَ بِالِابْنِ وَابْنِهِ، وَإِنْ سَفَلَ وَبِالْأَبِ وَبِالْجَدِّ) أَيْ الْأَخَوَاتُ كُلُّهُنَّ يُحْجَبْنَ بِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا وَكَذَا الْإِخْوَةُ يُحْجَبُونَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلَالَةِ هَلْ هِيَ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلتَّرِكَةِ وَقُرِئَ يُورِثُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَأَيَّامًا كَانَ يَشْتَرِطُ لِتَسْمِيَتِهِ بِهِ عَدَمَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدُ لِلْمَيِّتِ فَيَسْقُطُونَ بِهِمْ، وَالْكَلَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْإِحَاطَةِ وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ لِإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ وَكَذَا الْكَلَالَةُ مِنْ أَحَاطَ بِالشَّخْصِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute