للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ فَتَعَلَّقَ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَالْكَفَّارَةُ وَالشَّافِعِيُّ يُعَلِّقُهُ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَرِثُ عِنْدَهُ إذَا قَتَلَهُ بِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ كَانَ الْقَرِيبُ قَاضِيًا فَحَكَمَ بِذَلِكَ أَوْ شَاهِدًا فَشَهِدَ بِهِ أَوْ بَاغِيًا فَقَتَلَهُ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ سَيْفًا دَفْعًا كُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ عِنْدَهُ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ أُوجِبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ أَوْ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَيْفَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْقَتْلِ سَائِرُ الْعُقُوبَاتِ فَكَذَا الْحِرْمَانُ.

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ» هُوَ الْقَتْلُ بِالتَّعَدِّي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِيرَاثٌ بَعْدُ كَصَاحِبِ الْبَقَرَةِ» أَيْ قَاتِلٌ هُوَ كَصَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَهُوَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً عَنْ الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَالْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ مِلَلِ الْكُفَّارِ كَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَعُبَّادِ الْوَثَنِ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ حَتَّى يَجْرِيَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ كُلُّهُمْ خَيْرٌ وَنَحْنُ خَيْرٌ» ، وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا حَتَّى لَا تُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةُ بِدُونِهِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ الْإِرْثُ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا وَلَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دَارِهِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا حَقِيقَةً وَالدَّارُ إنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ وَالْمِلْكِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاخْتِلَافِ مِلْكِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّنَاصُرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالْإِرْثُ يَكُونُ بِالْوِلَايَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَافِرُ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَالسَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ) ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ مُكَلَّفٌ فَيَمْلِكُ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالْمُسْلِمِ وَلِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الْتَحَقَ بِالْمُسْلِمِ فِي الْمُعَامَلَةِ فَيَمْلِكُ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ كَالْمُسْلِمِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حُجِبَ أَحَدُهُمَا فَبِالْحَاجِبِ) يَعْنِي لَوْ اجْتَمَعَ فِي الْكَافِرِ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَا فِي شَخْصَيْنِ يَحْجُبُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ، وَإِنْ يُحْجَبْ يَرِثْ بِالْقَرَابَتَيْنِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَهَذَا الْوَلَدُ ابْنُهَا وَابْنُ ابْنِهَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَلَى أَنَّهُ ابْنٌ وَلَا يَرِثُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ، وَلَوْ وَلَدَتْ بِنْتًا مَكَانَ الْوَلَدِ تَرِثُ الثُّلُثَيْنِ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَالسُّدُسَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ ابْنٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا تَرِثُ مِنْ أُمِّهَا النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَتَرِثُ الْبَاقِيَ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا مِنْ أَبِيهَا وَهِيَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ، وَإِنْ مَاتَ أَبُوهَا تَرِثُ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِ ذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ يَرِثُ بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ أَوْ آكَدِهِمَا أَيْ أَقْوَاهُمَا وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالَ السَّبَبِ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ مَانِعٍ وَالْمَانِعُ الْحَاجِبُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَأْخُذُ بِالْجِهَتَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ ابْنَ عَمِّهَا وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا مِنْ أُمِّهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ وَالْعُصُوبَةِ فَكَذَا الْكَافِرُ إذْ هُوَ لَا يُخَالِفُ الْمُسْلِمَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا بِالْعُصُوبَةِ وَلَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ وَهِيَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَصْلُحُ الِاسْتِحْقَاقُ بِهِمَا إلَّا لِلتَّرْجِيحِ فَقَطْ عِنْدَ مُزَاحَمَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ كَالْأَخِ لِلْأَبِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ) أَيْ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ بِأُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَحَارِمِ لَا يَرِثُ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ لَكِنْ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَا فَكَانَ كَالْفَاسِدِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ اعْلَمْ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَوَارَثُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ بِالْأَنْكِحَةِ الَّتِي لَا تَصِحُّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ نَحْوُ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ بِسَبَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَنِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّوْرِيثِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ قَالَ زُفَرُ: لَا يَتَوَارَثُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَتَوَارَثُونَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَوَارَثُونَ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَقْرِيرِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>