الْخَلِيفَةُ يَنْوِي الِاسْتِقْبَالَ جَازَتْ صَلَاةُ مَنْ اسْتَقْبَلَ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ، وَكَذَا صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ تَفْسُدُ إنْ بَنَى عَلَى صَلَاةِ نَفْسِهِ
وَفِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ نَوَى الثَّانِي بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ إلَى الْمِحْرَابِ أَنْ لَا يَكُونَ خَلِيفَةً لِلْأَوَّلِ وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ نَفْسِهِ لَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ صَلَاةَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْإِمَامُ الْمُحْدِثُ عَلَى إمَامَتِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يَقُومُ خَلِيفَتُهُ مَقَامَهُ أَوْ يَسْتَخْلِفُ الْقَوْمُ غَيْرَهُ أَوْ يَتَقَدَّمُ بِنَفْسِهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلَانِ وَجَدَا فِي السَّفَرِ مَاءً قَلِيلًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ نَجِسٌ وَقَالَ الْآخَرُ هُوَ طَاهِرٌ فَتَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا وَتَيَمَّمَ الْآخَرُ، ثُمَّ أَمَّهُمَا مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَدِيَيْنِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ فَلَوْ رَجَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ يَقْتَدِي بِمَنْ يَظُنُّهُ طَاهِرًا اهـ.
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ الْإِمَامَةِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا إمَامٌ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ أَمَّ رَجُلًا فَأَحْدَثَا مَعًا وَخَرَجَا مِنْ الْمَسْجِدِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ إمَامٌ فِي الْمَسْجِدِ اهـ.
فَبَقَاؤُهُمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ إمَامٍ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إنْ تَقَدَّمَ فَفِي اعْتِقَادِ الْمُتَوَضِّئِ أَنَّ تَيَمُّمَهُ بَاطِلٌ لِطَهَارَةِ الْمَاءِ عِنْدَهُ
وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمُتَوَضِّئُ فَفِي اعْتِقَادِ الْمُتَيَمِّمِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) أَيْ جَازَ لِمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا كَانَ إمَامًا كَمَا جَازَ لِلْإِمَامِ الِاسْتِخْلَافُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَحَصِرَ بِوَزْنِ تَعِبَ فِعْلًا وَمَصْدَرًا الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ وَيُقَالُ حَصِرَ يَحْصَرُ حِصْرًا مِنْ بَابِ عَلِمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَصَرَ فِعْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنْ حَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمَعْنَاهُ مُنِعَ وَحُبِسَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ خَجَلٍ أَوْ خَوْفٍ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِالْوَجْهَيْنِ حَصَلَ لِي السَّمَاعُ، وَقَدْ وَرَدَتْ اللُّغَتَانِ بِهِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْكَارُ الْمُطَرِّزِيُّ ضَمَّ الْحَاءِ فَهُوَ فِي مَكْسُورِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَجِيءُ لَهُ مَفْعُولٌ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لَا فِي مَفْتُوحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يَجُوزُ بِنَاءُ الْفِعْلِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى الْقِرَاءَةِ لِأَجْلِ خَجَلٍ يَعْتَرِيهِ أَمَّا إذَا نَسِيَ الْقِرَاءَةَ أَصْلًا لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أُمِّيًّا وَاسْتِخْلَافُ الْأُمِّيِّ لَا يَجُوزُ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْحَدَثِ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هُنَا أَلْزَمُ وَالْعَجْزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ وَأَشَارَ بِالْمَنْعِ عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ مِقْدَارَ الْفَرْضِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ
وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ بِصِيغَةِ قِيلَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِمَا صَرَّحُوا فِي فَتْحِ الْمُصَلِّي عَلَى إمَامِهِ بِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَدِيَيْنِ وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ صَاحِبَهُ مُحْدِثٌ بِهِ، أَفْتَى أَئِمَّةُ بَلْخٍ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ تَيَمُّمِ الْقُنْيَةِ قَالَ فَإِطْلَاقُ فَسَادِ صَلَاةِ الْقَوْمِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ هَذَا وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمَّ صَبِيًّا وَامْرَأَةً ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ وَأَتَمَّ كُلٌّ صَلَاةَ نَفْسِهِ أَنْ يَصِحَّ بِجَامِعٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِمَامَةِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ بَلْ صَلَاتُهُمَا فَاسِدَةٌ لِخُلُوِّ مَكَانِ الْإِمَامِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْكَثِيرُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ مَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ صَلَاتُهُ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهَا مِنْ حَيْثُ نَفْسُ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الْمُتَوَضِّئُ وَالْمُتَيَمِّمُ فَلَا يَخْلُو أَمْرُهُمَا مِنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ: إمَّا نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَالتَّيَمُّمُ صَحِيحٌ وَالْوُضُوءُ بَاطِلٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْمُقْتَدِي بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ وَاعْتِقَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ وَاحِدًا فَحُكْمُهُ الِانْفِرَادُ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي صُورَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فَذَهَبَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَيْسَ غَيْرَهُمَا فَبِهِمَا لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِخْلَافُ وَمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ الضَّعْفِ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ مُلَاحَظَةِ الْمُدْرِكِ فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ.
وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَحُكْمُهُ الِانْفِرَادُ أَيْ الِاسْتِقْلَالُ بِالِاسْتِخْلَافِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَتْنًا. قُلْتُ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَنْحَلُّ عُرَا الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ يَقْتَدِي بِمَنْ ظَنَّهُ طَاهِرًا) أَيْ يَقْتَدِي الْإِمَامُ بِمَنْ ظَنَّهُ مِنْهُمَا أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَنَّهُ مُتَطَهِّرًا تَكُونُ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً فِي زَعْمِهِ فَيَقْتَدِي بِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلِاسْتِخْلَافِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ صَلَاةِ الْقَوْمِ وَلَا حُكْمَ صَلَاتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ إمَامَهُمْ صَارَ أُمِّيًّا وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا، وَأَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَدْ رَأَيْت فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْقَارِئَ إذَا صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ فَنَسِيَ الْقِرَاءَةَ وَصَارَ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْتَقْبِلُهَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تَفْسُدُ وَيَبْنِي عَلَيْهَا اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ اهـ