للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ أَوْ كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا اُعْتُبِرَ كَلَامًا جَعَلَ نَفْسَهُ قَاطِعًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفَصَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ إنْ فَتَحَ بَعْدَ اسْتِفْتَاحٍ فَصَلَاتُهُ تَفْسُدُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْتَاحٍ فَلَا تَفْسُدُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ إنَّمَا تَفْسُدُ بِالتَّكْرَارِ اهـ.

وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ كَمَا سَمِعْت وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَفْتُوحُ عَلَيْهِ مُصَلِّيًا أَوْ لَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُصَلِّي غَيْرُ الْإِمَامِ بِفَتْحِ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قُرْآنٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِقَصْدِ الْقَارِئِ عِنْدَهُ وَفِي الْقُنْيَةِ اُرْتُجَّ عَلَى الْإِمَامِ فَفَتَحَ عَلَيْهِ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ وَتَذَكَّرَ فَإِذَا أَخَذَ فِي التِّلَاوَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَتْحِ لَمْ تَفْسُدْ وَإِلَّا فَتَفْسُدُ لِأَنَّ تَذَكُّرَهُ يُضَافُ إلَى الْفَتْحِ وَفَتْحُ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ وَلَوْ سَمِعَهُ الْمُؤْتَمُّ مِمَّنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَفَتَحَهُ عَلَى إمَامِهِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ الْكُلِّ لِأَنَّ التَّلْقِينَ مِنْ خَارِجٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) أَيْ يُفْسِدُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ فَيُجْعَلُ جَوَابًا كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ خُصُوصَ الْجَوَابِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ بَلْ كُلُّ كَلِمَةٍ هِيَ ذِكْرٌ أَوْ قُرْآنٌ قَصَدَ بِهَا الْجَوَابَ فَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ بِأَمْرٍ عَجِيبٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ثُمَّ نَصَّ الْمَشَايِخُ عَلَى أَشْيَاءَ مُوجِبَةٍ لِلْفَسَادِ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي كِتَابٌ مَوْضُوعٌ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ اسْمُهُ يَحْيَى فَقَالَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: ١٢] أَوْ رَجُلٌ اسْمُهُ مُوسَى وَبِيَدِهِ عَصًا فَقَالَ لَهُ {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: ١٧] أَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ وَابْنُهُ خَارِجَهَا فَقَالَ {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: ٤٢] أَوْ طُرِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ أَوْ نُودِيَ مِنْ خَارِجِهِ فَقَالَ {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْخِطَابَ لِأَنَّهُ لَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ لَا قَارِئٌ وَهِيَ مُؤَيِّدَةٌ لِمَا قَالَاهُ وَارِدَةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَمِمَّا أُورِدَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ عِنْدَهُ وَهُوَ قُرْآنٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ فِيهِ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ التَّعْلِيمُ وَالْإِيرَادُ مَدْفُوعٌ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقُولُ بِالْفَسَادِ بِالْفَتْحِ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرِ يَسُوءُهُ فَاسْتَرْجَعَ لِذَلِكَ بِأَنْ قَالَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ مُرِيدًا بِذَلِكَ الْجَوَابَ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي الْفَسَادَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهُ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا وَنَسَبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الِاسْتِرْجَاعَ لِإِظْهَارِ الْمُصِيبَةِ وَمَا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ وَالتَّحْمِيدَ لِإِظْهَارِ الشُّكْرِ وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ وَحُكْمُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَالِاسْتِرْجَاعِ كَمَا هُوَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَهَا لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ لِأَمْرِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ وَلِأَمْرِ الْآخِرَةِ لَا تَفْسُدُ ثُمَّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِصُورَةٍ بِأَنْ قِيلَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ آخَرُ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَهُولُهُ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَرَادَ الْجَوَابَ فَسَدَتْ وَمِمَّا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ اُرْتُجَّ عَلَى الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِ وَتَذَكَّرَ) .

أَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ بِسَبَبِ الْفَتْحِ وَأَنْ يَكُونَ تَذَكَّرَ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ صَادَفَ تَذَكُّرَهُ وَفَتْحَ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَذَكُّرُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ أَخْذِهِ فِي التِّلَاوَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْأَخْذِ بِسَبَبِ الْفَتْحِ وَإِذَا كَانَ تَذَكُّرُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يُوجَدْ الْأَخْذُ بِسَبَبِ الْفَتْحِ وَكَوْنُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ أَخَذَ بِالْفَتْحِ فَيُضَافُ إلَيْهِ لَا عِبْرَةَ لَهُ مَعَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الدِّيَانَاتِ مِنْ الْأُمُورِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْقَضَاءِ حَتَّى يُعْتَبَرَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ قَاصِدًا الْقِرَاءَةَ لَا التَّعْلِيمَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ تَفْسُدُ إنْ أَرَادَ الْجَوَابَ وَإِلَّا فَلَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَهِيَ مُؤَيِّدَةٌ لِمَا قَالَاهُ وَأَوْرَدَهُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْفَسَادَ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا لِلتَّغَيُّرِ بِعَزِيمَةٍ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِطَابِ بِخِلَافِ مَا قَصَدَ بِهِ الْجَوَابَ وَلَيْسَ فِيهِ خِطَابٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَوَابِ وَقَصْدِ الْخِطَابِ بِمَا فِيهِ أَدَاةُ نِدَاءٍ أَوْ أَدَاةُ خِطَابٍ لِأَنَّ قَصْدَ الْخِطَابِ بِمَا فِيهِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَلَيْسَ ذِكْرًا بِصِيغَتِهِ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي اللَّفْظِ بِخِلَافِ مَا قَصَدَ بِهِ الْجَوَابَ وَمِنْهُ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ مِنْ خَارِجِ الْبَابِ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ فَقَالَ {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِهِ بِقَوْلِهِ اُدْخُلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ إنَّ هَذِهِ الْخِطَابَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ لَا تَصِيرُ خِطَابًا لِلْحَاضِرِ الْمَخْصُوصِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تُغَيِّرُ الصِّيغَةَ الْأَصْلِيَّةَ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى قَوْلِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ الْعَزِيمَةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يُغَيِّرُ الصِّيغَةَ بِهَا تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>