للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ أَمَّا عِنْدَ الْعُذْرِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْمَ يَقُومُونَ عَلَى الرُّفُوفِ وَالْإِمَامَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْحَاجَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ إرَادَةُ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ أَعْمَالَ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِينَ إرَادَةُ تَبْلِيغِ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْمَكَانِ وَكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ قِيلَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

قَيَّدَ بِالِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ مَعَ الْإِمَامِ قِيلَ يُكْرَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَوَامِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَغْلَبِ الْأَمْصَارِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ مَعْنَى التَّشَبُّهِ قَالَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قِيَاسُ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِزَوَالِ مَعْنَى التَّشَبُّهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يُشَارِكُونَ الْإِمَامَ فِي الْمَكَانِ وَمَنْ اعْتَبَرَ وُجُودَ بَعْضِ الْمُفْسِدِ قَالَ يُكْرَهُ وَهُوَ قِيَاسُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِوُجُودِ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْمَكَانِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ فَيُكْرَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَتُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ عَلَى الثَّوْبِ صَلَّى فِيهِ أَوْ لَمْ يُصَلِّ اهـ.

وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ تَصْوِيرِهِ صُورَةَ الْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ يَعْنِي مِثْلَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» ثُمَّ قَالَ وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَفَلْسٍ وَإِنَاءٍ وَحَائِطٍ وَغَيْرِهَا اهـ.

فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا لَا مَكْرُوهًا إنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ أَوْ قَطْعِيَّةُ الدَّلِيلِ لِتَوَاتُرِهِ قَيَّدَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي لَا تُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِثِيَابِهِ كَذَا لَوْ كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ تَصَاوِيرُ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ لِأَنَّهَا مَسْتُورَةٌ بِالثِّيَابِ فَصَارَ كَصُورَةٍ فِي نَقْشِ خَاتَمٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ اهـ.

وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُسْتَبِينَ فِي الْخَاتَمِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَمَعَهُ صُرَّةٌ أَوْ كِيسٌ فِيهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ فِيهَا صُوَرٌ صِغَارٌ لِاسْتِتَارِهَا وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ صُورَةُ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِاسْتِتَارِهَا بِالثَّوْبِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ صُورَةٌ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» وَفِي الْمُغْرِبِ الصُّورَةُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُصَوَّرُ مُشَبَّهًا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَوَاتِ الرُّوحِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُمْ وَيُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ الْمُرَادُ بِهَا التَّمَاثِيلُ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّورَةَ عَامٌّ وَالتَّمَاثِيلَ خَاصٌّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْخَاصُّ فَإِنَّ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ لَا يُكْرَهُ كَالشَّجَرِ لِمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِحِذَائِهِ يَمِينُهُ وَيَسَارُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ لِلِاخْتِلَافِ فَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْعِبَادَةَ وَصَرَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْكَرَاهَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ أَوْ جُلُوسِهِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا اسْتِهَانَةٌ بِهَا وَكَذَلِكَ عَلَى الْوِسَادَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَفْرُوشَةً لَا تُكْرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالُوا وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً مَا يَكُونُ عَلَى الْقِبْلَةِ أَمَامَ الْمُصَلِّي وَاَلَّذِي يَلِيه مَا يَكُونُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ مَا يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى الْحَائِطِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ مَا يَكُونُ خَلْفَهُ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ السِّتْرِ وَإِنَّمَا لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ فِي بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ مُهَانَةٌ عَلَى بِسَاطٍ يُوطَأُ أَوْ مَرْفَقَةٌ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا مَعَ عُمُومِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَخْ) .

أَقُولُ: فِي الْمِعْرَاجِ مَا نَصُّهُ وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَعْلِيمَ الْقَوْمِ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ أَوْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ تَبْلِيغَ الْقَوْمِ فَحِينَئِذٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا. اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقَوْمِ لَا وَاحِدٌ لِمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ كُرِهَ إجْمَاعًا

(قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ إلَخْ ثُمَّ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِهِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ أَنَّ مُرَادَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَتُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ عَلَى الثَّوْبِ إلَخْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مُرَادُ الْخُلَاصَةِ تَصْوِيرَ التَّصَاوِيرِ بَلْ اسْتِعْمَالُهَا أَيْ اسْتِعْمَالُ الثَّوْبِ الَّتِي هِيَ فِيهِ فَيُسَاوِي كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ قَوْلُ الْخُلَاصَةِ بَعْدَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي لَا يُكْرَهُ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فِي الصِّغَارِ غَنِيٌّ عَنْ التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِتَارِ بَلْ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُهَا إذَا كَانَتْ مُنْكَشِفَةً وَسَيَأْتِي أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ لَكِنْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ جَعْلُ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ لِخَبَرِ «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ»

<<  <  ج: ص:  >  >>