للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ بَقَاءِ الرَّأْسِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا فَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَقْطُوعَ بِمَحْوِ الرَّأْسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِالرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِزَالَةِ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ بِدُونِهَا وَكَذَا لَا اعْتِبَارَ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا لَوْ مَحَى وَجْهَ الصُّورَةِ فَهُوَ كَقَطْعِ الرَّأْسِ

(قَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتِمْثَالٍ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا فَقَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا ثُمَّ قَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ أُنَبِّئُك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ اهـ.

وَلَا فَرْقَ فِي الشَّجَرِ بَيْنَ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مُجَاهِدًا فَإِنَّهُ كَرِهَ الْمُثْمِرَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ رَأَى صُورَةً فِي بَيْتِ غَيْرِهِ يَجُوزُ لَهُ مَحْوُهَا وَتَغْيِيرُهَا وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَجِيرِ لِتَصْوِيرِ تَمَاثِيلِ الرِّجَالِ أَوْ لِيُزَخْرِفَهَا وَالْأَصْبَاغُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ لَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّ عَمَلَهُ مَعْصِيَةٌ وَفِي التَّفَارِيقِ هَدَمَ بَيْتًا مُصَوَّرًا بِالْأَصْبَاغِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْبَيْتِ وَالْأَصْبَاغَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ) أَيْ وَيُكْرَهُ عَدُّ الْآيَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَكَذَا السُّوَرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْعَدَّ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَدَّ بِالْيَدِ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي الْكَافِي وَقَالَا لَا بَأْسَ بِهِ فَجَزَمَ بِهِ عَنْهُمَا وَعَلَّلَ لَهُمَا بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِنِسْوَةٍ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّسْبِيحِ اُعْدُدْنَهُ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ قُلْنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُدَّ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ إنَّمَا يَأْتِي هَذَا فِي الْآيِ دُونَ التَّسْبِيحَاتِ اهـ.

قَالُوا وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ هُوَ الْعَدُّ بِالْيَدِ كَمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَصَابِعِهِ أَوْ بِخَيْطٍ يُمْسِكُهُ أَمَّا الْغَمْزُ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ أَوْ الْحِفْظُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا وَالْعَدُّ بِاللِّسَانِ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْآيِ وَالتَّسْبِيحِ لِأَنَّ عَدَّ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ الْعَدَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِلْقَلْبِ وَأَجْلَبُ لِلنَّشَاطِ وَلِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ «عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًا تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْك مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ» فَلَمْ يَنْهَهَا عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرْشَدَهَا إلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ وَأَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَبَيَّنَ لَهَا ذَلِكَ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاتِّخَاذِ السُّبْحَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِإِحْصَاءِ عَدَدِ الْأَذْكَارِ إذْ لَا تَزِيدُ السُّبْحَةُ عَلَى مَضْمُونِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا بِضَمِّ النَّوَى وَنَحْوِهِ فِي خَيْطٍ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ فِي الْمَنْعِ فَلَا جَرَمَ إنْ نُقِلَ اتِّخَاذُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْأَخْيَارِ وَغَيْرِهِمْ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَفْضَلِيَّةِ هَذَا الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ عَلَى ذِكْرٍ مُجَرَّدٍ عَنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَوْ تَكَرَّرَ يَسِيرًا

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْحَلَبِيَّ ذَكَرَ أَنَّ كَرَاهَةَ الْعَدِّ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ تَنْزِيهِيَّةٌ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْعَدُّ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ فَصْلٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَدْ يَصِيرُ الْعَدُّ عَمَلًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ دُونَ التَّسْبِيحَاتِ) أَيْ فَيُزَادُ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ بِأَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ عَدَّهُ إشَارَةً أَوْ بِقَلْبِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَشْهَدُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَاوِيَّةِ السُّبْحَةُ وَرَدَ لَهَا أَصْلٌ أَصِيلٌ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا غَيْرُ مُبَاحٍ أَيْ غَيْرُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ اهـ.

قَالَ الرَّمْلِيُّ الْغَالِبُ إطْلَاقُهُمْ غَيْرَ الْمُبَاحِ عَلَى الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى مَا ذُكِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>