للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْهُ وَأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَمَا يَحْتَالُهُ أَهْلُ الرُّومِ مِنْ نَذْرِهَا لِتَخْرُجَ عَنْ النَّفْلِ وَالْكَرَاهَةِ فَبَاطِلٌ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَأَطَالَ فِيهِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا) أَيْ بِتَسْلِيمَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّوَافِلَ شُرِعَتْ تَوَابِعَ لِلْفَرَائِضِ وَالتِّبْعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَلَوْ زِيدَتْ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ لَخَالَفَتْ الْفَرَائِضَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي اللَّيْلِ إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَى الثَّمَانِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ سَبْعَ رَكَعَاتٍ تِسْعَ رَكَعَاتٍ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» وَالثَّلَاثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ سُنَّةُ الْفَجْرِ فَيَبْقَى رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ وَسِتٌّ وَثَمَانٌ فَيَجُوزُ إلَى هَذَا الْقَدْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ فَصَحَّحَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ فِيهِ وَصْلَ الْعِبَادَةِ بِالْعِبَادَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ مَكْرُوهَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِإِجْمَاعِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَبِهِ يُضَعَّفُ قَوْلُ السَّرَخْسِيُّ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا» إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْقُعُودِ فِيهَا أَصْلًا إلَّا بَعْدَ الثَّامِنَةِ وَجَوَازُ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْفَسَادِ بِتَرْكِهَا وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ رَدِّهِ اسْتِدْلَالَهُمْ عَلَى إبَاحَةِ الثَّمَانِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ مَنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَبَاحَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْلِ بِتَكْبِيرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَبِذَلِكَ نَأْخُذُ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ اسْتِدْلَالٌ بِالْمُحْتَمَلِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَهَذَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَرْضَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الْعِشَاءِ وَثَلَاثَ رَكَعَاتٍ الْوِتْرَ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَيْدُ التَّطَوُّعِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ الثَّمَانِ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ فَسَّرَتْ الْإِجْمَالَ وَأَزَالَتْ الِاحْتِمَالَ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ انْتَهَى لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

ذَكَرَهَا الْغَافِقِيُّ الْمُحَدِّثُ فِي لَمَحَاتِ الْأَنْوَارِ وَصَاحِبُ أُنْسِ الْمُنْقَطِعِينَ وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي الْقُوتِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدِّيرِينِيُّ فِي طَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ النُّورِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ الْحَافِظُ الطَّبَرِيُّ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ الْمُكَلَّفِينَ بِتَطَابُقِ الْكَافَّةِ عَلَى صَلَاةِ مِائَةِ رَكْعَةٍ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِأَلْفٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَتُرْوَى فِي صِحَّتِهَا آثَارٌ وَأَخْبَارٌ لَيْسَ عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ

وَلَا نَقُولُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْوَضْعِ أَمْرُهُ خَطِيرٌ وَشَأْنُهُ كَبِيرٌ مَعَ أَنَّهَا أَخْبَارُ تَرْغِيبٍ وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا بِنِيَّتِهِ يُثَابُ وَيَصْدُقُ عَزْمُهُ وَإِخْلَاصُهُ فِي ابْتِهَالِهِ يُجَابُ وَالْأَوْلَى تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِصِحَّتِهَا وَلَا حَرَجٍ فِي الْعَمَلِ بِهَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ) أَيْ وَأَوْضَحَهُ فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي نَفْلِ النَّهَارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ فَقَالَ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَذَا قَالُوا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ اهـ.

لَكِنْ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ نَظَرٌ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ جَائِزًا كَانَ يَفْعَلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَكُونُ غَيْرَ جَائِزٍ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ وَالْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ مُجِيبًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ اتِّفَاقُ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ لِمَا رَوَيْنَا دَلِيلُ انْتِسَاخِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ الْبُرْهَانِ بَعْدَمَا أَوْرَدَ عَلَى الطَّحَاوِيِّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ لِمَا رَوَيْنَا دَلِيلُ انْتِسَاخِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

وَأَجَابَ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ نَفْيَ الْوِجْدَانِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ وِجْدَانَ مَا لَيْسَ مُعَارِضًا وَلَا حَاظِرًا وَلَا مَنْسُوخًا وَيَكُونُ الْمَرْوِيُّ فِي مُسْلِمٍ مُحْتَمِلًا لِبَيَانِ الصِّحَّةِ لَوْ فُعِلَ لَا نَدْبِ الْفِعْلِ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَانِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ وَكُلُّ ذَلِكَ نُقِلَ فِي تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>