للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ مَعَ الْعُذْرِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ فَلَا إجْمَاعَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إجْمَاعَ أَئِمَّتِنَا وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَمَا نَقَلَ الْحَدِيثَ قَالُوا وَهَذَا فِي حَقِّ الْقَادِرِ أَمَّا الْعَاجِزُ فَصَلَاتُهُ بِإِيمَاءٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ لِأَنَّهُ جُهْدُ الْمُقِلِّ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الظَّاهِرُ الْمُسَاوَاةُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ

وَقَدْ عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ نَافِلَتَهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَنَافِلَتِهِ قَائِمًا تَشْرِيفًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ حُدِّثْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ قَالَ فَأَتَيْته فَوَجَدْته يُصَلِّي قَاعِدًا فَوَضَعْت يَدِي عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ وَقُلْت حُدِّثْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّك قُلْت صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْت كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» انْتَهَى أُطْلِقَ فِي التَّنَفُّلِ فَشَمَلَ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالتَّرَاوِيحَ لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ التَّرَاوِيحِ الْأَصَحُّ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالتَّرَاوِيحُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ مُؤَكَّدَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا وَالتَّرَاوِيحَ فِي التَّأْكِيدِ دُونَهَا انْتَهَى وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ

وَهَكَذَا صَحَّحَهُ حُسَامُ الدِّينِ ثُمَّ قَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِي التَّرَاوِيحِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلتَّوَارُثِ وَعَمَلِ السَّلَفِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَبِنَاءً بِأَنْ شَرَعَ فِيهِ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قِيَاسٌ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ وَلَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ وَلِمَا بَاشَرَ صِحَّةً بِدُونِهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً لِأَنَّهُ فِي النَّفْلِ وَصْفٌ زَائِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ وَأَيْنَمَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَهَا قَائِمًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَرَجَحَ الثَّانِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ إلَى آخِرِهَا فَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى الْقُعُودِ رُخْصَةً فِي النَّفْلِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَّا إلَيْهِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ شَرَعَ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وَرَدَّهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ إلَى آخِرِهِ

وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُومَ فَيَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَكِنَّهُ اسْتَوَى قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا وَرَكَعَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رُكُوعًا قَائِمًا وَلَا رُكُوعًا قَاعِدًا انْتَهَى وَلَيْسَ هُوَ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لِأَنَّ الْقُعُودَ وَالْقِيَامَ فِي النَّفْلِ سَوَاءٌ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ثُمَّ جَازَ لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فَمَا انْعَقَدَ إلَّا لِلْمَقْدُورِ وَهُوَ الْقُعُودُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَيْفِيَّةَ الْقُعُودِ فِي النَّفْلِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَمَّا حَالَةُ الْقِرَاءَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالتَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ وَنَقَلَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَبِي وَعَنْهُمَا يَتَرَبَّعُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ مَحَلُّ الْقَعْدَةِ عِنْدَ السُّجُودِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ الِاحْتِبَاءَ لِأَنَّ عَامَّةَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[منحة الخالق]

وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا هُنَاكَ عَلَى كِتَابَةِ أَصْلِ الثَّوَابِ وَمَا هُنَا عَلَى زِيَادَةِ الْمُضَاعَفَةِ بِسَبَبِ الْمَشَقَّةِ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي أَنَّ الْإِخْلَاصَ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ أَيْ فِيمَا قَعَدَ فِيهِ أَيْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ قَائِمًا بَعْدُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِيهِ وَلِمَا أَيْ وَلِلَّذِي بَاشَرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ أَوْ لِلَّذِي بَاشَرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ مُطْلَقًا صِحَّةٌ بِدُونِ الْقِيَامِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ الشُّرُوعِ مُوجِبًا غَيْرَ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ إلْحَاقِ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا بَلْ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ وَرَجَحَ الثَّانِي) أَيْ الْقَوْلُ الثَّانِي الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَلْزَمُ الْقِيَامُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْقُعُودِ كَيْفِيَّةً لِمَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَوَازِ وَلَا شَكَّ فِي حُصُولِهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي تَعْيِينِ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ أَوَانُ التَّشَهُّدِ جَلَسَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ سَقَطَ الْقِيَامُ بِعُذَرٍ أَمْ لَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>