للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ الْفَسَادِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَسَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ فَكَانَتْ وَاجِبَةً فَلِذَا دَخَلَتْ فِي أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْقَضَاءُ لَهُ تَعْرِيفَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ هُوَ فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ وَإِنْ عُرِفَ بِمَا يَشْمَلُ غَيْرَ الْوَاجِبِ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي تُقْضَى فَيُبَدَّلُ الْوَاجِبُ بِالْعِبَادَةِ فَيُقَالُ هُوَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ وَقْتِهَا وَلَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ الْمُقْسِمِ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] لَكِنَّهُ مَجَازٌ فَلِهَذَا لَمْ يُدْخِلْهُ أَكْثَرُهُمْ فِي تَعْرِيفِهِ وَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَجَازٌ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ وَقَضَى الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ الْقَضَاءَ لِلْحَجِّ بَعْدَ فَسَادِهِ مَجَازٌ إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَصِيرُ بِخُرُوجِهِ قَضَاءً ثَانِيهِمَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَهُوَ تَسْلِيمٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ كَصَاحِبِ الْمَنَارِ فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ بَعْدَ الْوَقْتِ عَيْنُ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ لَا مِثْلُهُ إذْ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ طَلَبُ شَيْئَيْنِ الْفِعْلُ وَكَوْنُهُ فِي وَقْتِهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّانِي لِفَوَاتِهِ بَقِيَ الْأَمْرُ مُقْتَضِيًا لِلْأَوَّلِ فَتَصْرِيحُهُ بِالْمِثْلِ مُقْتَضٍ لِكَوْنِهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَتَصْرِيحُهُ بِالْأَمْرِ مُقْتَضٍ لِكَوْنِهِ عَيْنَهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِلُبِّ الْأُصُولِ مُخْتَصَرِ تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي سَبَبِ الْقَضَاءِ أَثَرٌ كَمَا يَعْلَمْهُ مَنْ طَالَعَ كُتُبَ الْأُصُولِ وَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي الْقَضَاءِ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَأْثَمِ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا إذَا قَضَاهَا وَأَمَّا إثْمُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ فَبَاقٍ لَا يَزُولُ بِالْقَضَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ التَّوْبَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهَا هَذَا وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِعُذْرٍ كَمَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْقَائِلَةِ إذَا اشْتَغَلْت بِالصَّلَاةِ تَخَافُ أَنْ يَمُوتَ الْوَلَدُ لَا بَأْسَ بِأَنْ تُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ وَتُقْبِلَ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ يَجُوزُ بِعُذْرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ» وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا خَافَ مِنْ اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْوَقْتِيَّةَ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَوَائِتِ لِعُذْرِ السَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ وَفِي الْحَوَائِجِ يَجُوزُ قِيلَ وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ يُبَاحُ لَهُ التَّأْخِيرُ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ مُوَسَّعٌ وَضَيَّقَ الْحَلْوَانِيُّ وَالْعَامِرِيُّ اهـ.

وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّ قَضَاءَ

ــ

[منحة الخالق]

الْوَاجِبِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَبِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْفِعْلُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ كَالْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ اهـ.

وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمِيزَانِ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْوَقْتِ وَمُخَالِفٌ لَهُ حَيْثُ صَرَّحَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ هَلْ تَكُونُ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً فَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَأَنَّ الْأَوَّلَ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَنَّ الثَّانِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَالشَّيْخِ حَافِظِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ مِنْ تَرْكِ الِاعْتِدَالِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ زَادَ أَبُو الْيُسْرِ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِيَ وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ لَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إذْ هُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ. اهـ.

أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الِافْتِرَاضُ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وُجُوبَهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْأَوَّلِ فَاسِدًا وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهَا حِينَئِذٍ فَرْضٌ وَذَكَرَ عَدَمَ الْوُجُوبِ عِنْدَ وُقُوعِ الْأَوَّلِ نَاقِصًا لَا فَاسِدًا وَلَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ افْتِرَاضِهَا حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوُجُوبُ الْمُصْطَلَحُ لَا الِافْتِرَاضُ (قَوْلُهُ غَيْرُ الْفَسَادِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الشُّرُوعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ اخْتِلَالُ الشَّيْءِ يُؤَذِّنُ بِبَقَائِهِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ. اهـ.

قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْخَلَلَ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ الْفَسَادِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِاللَّازِمِ فِي التَّعْرِيفِ غَيْرُ بِدْعِيٍّ تَدَبَّرْ وَاحْتَرِزْ عَنْ الْخَلَلِ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِوَاحِدٍ مِنْهُ فَالْفِعْلُ يَكُونُ أَدَاءً إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءً إنْ وَقَعَ خَارِجَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْعَيْنِيَّةَ وَالْمِثْلِيَّةَ بِالْقِيَاسِ إلَى مَا عُلِمَ مِنْ الْأَمْرِ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ إنْ يَكُنْ عَيْنَ مَا عُلِمَ فَهُوَ الْأَدَاءُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَهُوَ الْقَضَاءُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى مِثْلِهَا لِأَنَّ النَّفَلَ شُرِعَ لَهُ مِنْ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِثْلُهُ فَأَمَرَ بِصَرْفِ مَالِهِ مِنْ النَّفْلِ إلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَضَاءِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ التَّنَاقُضُ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَأَتَى يُقَالُ بِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَهُ مِنْ النَّفْلِ إلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءِ الْفَرْضِ فَلْيُتَدَبَّرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>