للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَرْوِيُّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» .

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ فِي حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ لِيُسْجِدَ سَجْدَتَيْنِ» فَهَذَا تَشْرِيعٌ عَامٌّ قَوْلِيٌّ بَعْدَ السَّلَامِ عَنْ سَهْوِ الشَّكِّ وَالتَّحَرِّي وَلَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يُعِيدُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَ يَتَكَرَّرُ وَإِنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيُعِيدُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْجَوَازَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدَ السَّلَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُتَابِعُ الْإِمَامُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ فَيَتْرُكُ رَأْيَهُ بِرَأْيِ الْإِمَامِ تَحْقِيقًا لِلْمُتَابَعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُتَابَعُ وَلَوْ تَابَعَهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ.

وَكَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْخِزَانَةِ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ مَكْرُوهٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَعَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ السَّلَامِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ وَصُوَرٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ السَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ بِأَنْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ مَثَلًا سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَأَخُّرِ السَّلَامِ وَصُورَةُ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَصَاحِبِ التَّجْنِيسِ بِمَا إذَا بَقِيَ قَاعِدًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلِكَوْنِ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَتَكَرَّرُ لَوْ شَكَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَلَا يَسْجُدُ لِهَذَا السَّهْوِ وَحُكِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ لِلْكِسَائِيِّ ابْنِ خَالَتِهِ فَلِمَ لَا تَشْتَغِلُ بِالْفِقْهِ فَقَالَ مَنْ أَحْكَمَ عِلْمًا فَذَلِكَ يَهْدِيهِ إلَى سَائِرِ الْعُلُومِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَا أُلْقِي عَلَيْك شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَتُخْرِجَ جَوَابَهُ مِنْ النَّحْوِ فَقَالَ هَاتِ قَالَ فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ سَهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَتَفَكَّرَ سَاعَةً فَقَالَ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِنْ أَيِّ بَابٍ مِنْ النَّحْوِ خَرَّجْتَ هَذَا الْجَوَابَ فَقَالَ مِنْ بَابِ أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ فَتَحَيَّرَ مِنْ فِطْنَتِهِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي السَّلَامِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ تَسْلِيمَتَانِ كَمَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَعَلَّلَ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ فَقَالَ لَمْ يُجَنَّ مَلِكُ الشِّمَالِ حَتَّى تَتْرُكَ السَّلَامَ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّتِهِمْ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لَا يَنْحَرِفُ

وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِلتَّحْلِيلِ وَالثَّانِي لِلتَّحِيَّةِ وَهَذَا السَّلَامُ لِلتَّحْلِيلِ لَا لِلتَّحِيَّةِ فَكَانَ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ عَبَثًا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَقَالَ إنَّ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ تَعَارَضَ النَّقْلُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَهُنَاكَ قَوْلَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى ثَانِيهِمَا لَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ حَكَاهُ الشَّارِحُ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ لِأَنَّ السَّلَامَ عَنْ الْيَمِينِ مَعْهُودٌ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ.

الثَّالِثُ فِيمَا يَفْعَلُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَذَكَرَ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ وَالسَّلَامُ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى وَلِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّ كُلَّ قَعْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ تَكْبِيرَ السُّجُودِ وَتَسْبِيحَهُ ثَلَاثًا لِلْعِلْمِ بِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسِنُّونَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَأَشَارَ بِالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ إلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ فِي

ــ

[منحة الخالق]

رَأَيْت الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ

(قَوْلُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ) عَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمَتْنِ بَعْدَ السَّلَامِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِيَجِبُ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلِكَوْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْآتِي يَتَحَرَّى فَهُوَ عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَعْلُولِ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ يَجِبُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ تَحْقِيقِ الْمُرَادِ بِالسَّلَامِ وَكَيْفِيَّتُهُ بَعْدَ بَيَانِ أَنَّ مَحِلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ لَا قَبْلَهُ فَقَطْ أَوْ قَبْلَهُ تَارَةً وَبَعْدَهُ أُخْرَى (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ) ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ مِنْهُمَا كَوْنُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُهُ بِكَوْنِ التَّسْلِيمَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ فِي الْكَافِي إنَّهُ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ اهـ.

إلَّا أَنَّ مُخْتَارَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَوْنُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ انْحِرَافٍ إلَخْ اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ قَائِلُونَ بِأَنَّهَا عَنْ الْيَمِينِ إلَّا فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّهَا تِلْقَاءُ وَجْهِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى هُوَ بِعَيْنِهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُ الْأَصْوَبُ وَالصَّوَابُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ تَصْحِيحَ الْمُجْتَبَى لَا يُقَاوِمُ تَصْحِيحَ أُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ ثَانِيهِمَا إلَخْ) اسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ قُلْت وَكَلَامُ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>