وَصَحَّتْ الظُّهْرُ فَالْحُرْمَةُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ، وَصِحَّةُ الظُّهْرِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا فَرْضٌ آكِدٌ مِنْ الظُّهْرِ وَبِإِكْفَارِ جَاحِدِهَا اهـ.
أَقُولُ:، وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْ جَهَلَةِ زَمَانِنَا أَيْضًا وَمُنْشَأُ جَهْلِهِمْ صَلَاةُ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ، وَإِنَّمَا وَضَعَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ رِوَايَةِ عَدَمِ تَعَدُّدِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِالْمُخْتَارَةِ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي اخْتِيَارَ صَلَاةِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا مَرْوِيًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى وَقَعَ لِي أَنِّي أَفْتَيْت مِرَارًا بِعَدَمِ صَلَاتِهَا خَوْفًا عَلَى اعْتِقَادِ الْجَهَلَةِ بِأَنَّهَا الْفَرْضُ، وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَسَنُوَضِّحُهُ مِنْ بَعْدُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَنَوْعَانِ شَرَائِطُ صِحَّةٍ وَشَرَائِطُ وُجُوبٍ فَالْأَوَّلُ سِتَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: الْمِصْرُ وَالسُّلْطَانُ وَالْوَقْتُ وَالْخُطْبَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْأَذَانُ الْعَامُّ وَالثَّانِي سِتَّةٌ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَى ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ كَالْفُرْقَةِ مِنْ الِافْتِرَاقِ أُضِيفَ إلَيْهَا الْيَوْمُ وَالصَّلَاةُ ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى حُذِفَ مِنْهَا الْمُضَافُ وَجُمِعَتْ فَقِيلَ: جُمُعَاتٌ وَجُمَعٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمَّى عَرُوبَةً بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَلَمَّا «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ أَقَامَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَادِي رَاتُونَا» فَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمَدِينَةِ
(قَوْلُهُ شَرْطُ أَدَائِهَا الْمِصْرُ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تُؤَدَّى فِي مِصْرٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ فِي قَرْيَةٍ، وَلَا مَفَازَةٍ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ، وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ أَوْ فِي مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَكَفَى بِقَوْلِهِ قُدْوَةً وَإِمَامًا، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ نَوَى أَنْ يَمْكُثَ فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا تَلْزَمُهُ وَبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ تَلْزَمُهُ قَالَ الْفَقِيهُ إنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ لَا تَلْزَمُهُ. الْمِصْرِيُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْعُمْرَانِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْمُسَافِرُ إذَا قَدِمَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَزْمِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) أَيْ حَدُّ الْمِصْرِ الْمَذْكُورِ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ وَيُشْتَرَطُ الْمُفْتِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي مُفْتِيًا وَأَسْقَطَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَمِيرَ فَقَالَ الْمِصْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُفْتٍ وَقَاضٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَبَلَغَتْ أَبْنِيَتُهُ أَبْنِيَةَ مِنًى اهـ.
وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ عَنْ الْمُحَكِّمِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً فَإِنَّهُمَا لَا يُقِيمَانِ الْحُدُودَ، وَإِنْ نَفَّذَ الْأَحْكَامَ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ إقَامَتَهَا مَلَكَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَلْدَةَ إذَا كَانَ قَاضِيهَا أَوْ أَمِيرُهَا امْرَأَةً لَا يَكُونُ مِصْرًا فَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ الْعَاقِلُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهَا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَفِي الْجُمُعَةِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ سُلْطَانًا فَأَمَّرَتْ رَجُلًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ دُخُولِ بَدَلَ خُرُوجِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ خُرُوجٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ التَّعَرُّضُ لِلْمَسْأَلَةِ ثَانِيًا (قَوْلُهُ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِهَا لِزِيَادَةِ خَطَرِهَا وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْأَحْكَامِ إذَا كَانَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَا عَهْدَ يُبْطِلُ مَا ذَكَرُوهُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ بَلْ الْحَمْلُ عَلَيْهِ هُنَا أَوْلَى إذْ الْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ التَّغَايُرُ وَكَوْنُ الْأَصْلِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودُ الْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ مُقَدَّمًا عِنْدَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي بَلَدِهَا أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ فَلَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْمُدَّعِي فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَقَالَ فِي الشرنبلالية وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَأَمَّلْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَائِبِ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ امْرَأَةً لَا فِي السُّلْطَانِ إذَا كَانَ امْرَأَةً اهـ.
قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْلُحُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيَةً فِي الْجُمْلَةِ فَتَصِحُّ إنَابَتُهَا ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْإِنَابَةِ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً فَتَكُونُ بَلْدَتُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute