للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْبُخَارِيُّ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْضُ مَنْ نَفَى أَنَّ لِلْجُمُعَةِ سُنَّةً فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ «أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ أَخَذَ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ فَإِذَا أَكْمَلَهُ أَخَذَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْخُطْبَةِ» فَمَتَى كَانُوا يُصَلُّونَ السُّنَّةَ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ قَامُوا فَرَكَعُوا فَهُوَ مِنْ أَجْهَلْ النَّاسِ وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ خُرُوجَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِالضَّرُورَةِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ بَعْدَ مَا كَانَ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ هَذَا الْمُجَوَّزِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ عُمُومِ أَنَّهُ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَرْبَعًا» ، وَكَذَا يَجِبُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَيْضًا يَعْلَمُونَ الزَّوَالَ كَالْمُؤَذِّنِ بَلْ رُبَّمَا يَعْلَمُونَهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيُؤَذِّنَ اهـ.

وَالْمُرَادُ مِنْ الْبَيْعِ مَا يُشْغِلُ عَنْ السَّعْيِ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ سِوَى الْبَيْعِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَشَارَ بِعَطْفِ تَرْكِ الْبَيْعِ عَلَى السَّعْيِ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى حَالَةَ السَّعْيِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِعَدَمِهَا إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ وَصَرَّحَ بِالْوُجُوبِ لِيُفِيدَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ فِي رُتْبَتِهِ وَيَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ وَبِهِ انْدَفَعَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ مَكْرُوهٌ لِلْآيَةِ، وَلَوْ فُعِلَ كَانَ جَائِزًا وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ اهـ.

فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْرِيمِيَّةٌ اتِّفَاقًا؛ وَلِهَذَا وَجَبَ فَسْخُهُ لَوْ وَقَعَ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لِلنَّدَبِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَقَوْلُ الْأَكْمَلِ فِي شَرْحِ الْمَنَارَ إنَّ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ مَرْدُودٌ لِمَا عَلِمْت، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَيُفْتَرَضُ السَّعْيُ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ هَلْ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي أَوْ الْعِبْرَةُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ إثْمًا وَأَثْقَلُ وِزْرًا.

(قَوْلُهُ فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأُقِيمَ بَعْدَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَائِدٌ إلَى الْخَطِيبِ الْجَالِسِ، وَفِي الْقُدُورِيِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ، وَهُوَ مَجَازٌ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمِنْبَرِ عَلَى الْخَطِيبِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَقْتَ الْأَكْلِ يَتْرُكُهُ إذَا خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ كَخُرُوجِ وَقْتِ الْمَكْتُوبَاتِ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَدَّهِنَ وَيَمَسَّ طِيبًا إنْ وَجَدَهُ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَغْتَسِلَ وَيَجْلِسَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ ثُمَّ تَكَلَّمُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ قِيلَ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْمَقْصُورَةِ وَقِيلَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَامَّةَ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَا تَتَوَصَّلُ الْعَامَّةُ إلَى نَيْلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُرْجَى لَهُ فَضْلٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ الْمُنَافِقِينَ أَوْ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: ١] فَحَسَنٌ تَبَرُّكًا بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَى قِرَاءَتِهَا بَلْ يَقْرَأُ غَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى هَجْرِ الْبَاقِي

ــ

[منحة الخالق]

؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُسَمَّى أَذَانًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِعَدَمِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي التَّعْدِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وُقُوعُ الْخِلَافِ فِي وَقْتِهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِفَرْضِيَّتِهِ وَكَفَاك بِوَقْتِ الْعَصْرِ شَاهِدًا اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ أَصْلَ السَّعْيِ فَرْضٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذَا بِخِلَافِ وَقْتِ الْعَصْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ هُنَاكَ، وَلَا يُوصَفُ الْوَقْتُ بِالْوُجُوبِ وَلَا بِالْفَرْضِ.

(قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ) نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ فِي زَمَانِنَا لَا يَمْنَعُ الْأُمَرَاءُ أَنْ يَدْخُلَ الْفُقَرَاءُ الْمَقْصُورَةَ الدَّاخِلَةَ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ مَا كَانَ فِي الْمَقْصُورَةِ الدَّاخِلَةِ وَفِيهَا عَنْ التَّهْذِيبِ الْمَقَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ خَلْفَهُ، ثُمَّ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ عَنْ يَسَارِهِ وَفِيهَا عَنْ النِّصَابِ إنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ مَكَانَهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرَ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلَ عِلْمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ.

هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُورَةَ إذَا كَانَتْ وَسَطَ الْمَسْجِدِ كَمَقْصُورَةِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ أَنَّ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَقْصُورَةِ مِمَّا هُوَ عَنْ يَمِينِ الصَّفِّ الدَّاخِلِ وَعَنْ يَسَارِهِ لَا يُسَمَّى صَفًّا أَوَّلَ فَلْيُتَأَمَّلْ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَقْصُورَةِ بَيْتٌ دَاخِلَ الْجِدَارِ الْقِبْلِيِّ كَبَيْتِ الْخَطِيبِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْخَطِيبُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُلُوكَهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ خَوْفًا مِنْ الْأَعْدَاءِ فَلَا يُمَكِّنُونَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ أَمَّا مِثْلُ مَقْصُورَةِ دِمَشْقَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا عَنْ طَرَفَيْهَا قُرْبَ الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ صَفٌّ أَوَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>