للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقْتُولٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَى أَقُتِلَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَفِي الْمُجْتَبَى وَإِذَا الْتَقَتْ سَرِيَّتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَرَى أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتْلَى مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُمْ دَافِعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْغُسْلِ وَيَجِبُ أَنْ يُغَسَّلُوا؛ لِأَنَّ قَاتِلَهُمْ لَمْ يَظْلِمْهُمْ اهـ.

وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بِقَتْلِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ عَمَّا إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ أَوْ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ شَخْصًا آخَرَ وَوَارِثُهُ ابْنُهُ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلصُّلْحِ أَوْ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَالُ عِوَضًا مَانِعًا، وَلَمْ يَكُنْ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عِوَضًا مَانِعًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَلِلْوَارِثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهِيَ تُشْفِي الصُّدُورَ وَلِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَهُوَ مَا فِي شَرْعِيَّتِهِ مِنْ حَيَاةِ الْأَنْفُسِ فَلَمْ يَكُنْ عِوَضًا مُطْلَقًا فَلَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى وَالْبَدَائِعِ أَنَّ الشَّرَائِطَ سِتٌّ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْقَتْلُ ظُلْمًا وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَعَدَمُ الِارْتِثَاثِ اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّتَهَا لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ مِنْ مَفْهُومَاتِهَا لَكِنْ بَقِيَ مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ مَالِهِ أَوْ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ شَهِيدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَعَطَفَهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَجَعَلَهُ سَبَبًا رَابِعًا، وَلَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ الْمُدَافِعَ الْمَذْكُورَ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَمَقْتُولُ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا إلَّا إذَا قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَجْمَعِ هُنَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّرَةً فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ فِي مَقْتُولِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا بَلْ أَدْخَلَ الْبَاغِيَ وَقَاطِعَ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ وَجَعَلَ حُكْمَ مَقْتُولِهِمْ وَاحِدًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمُسْلِمِ مَا عَدَاهُمَا فَلَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ اسْتِيفَاءٌ لِلشَّهِيدِ وَيُرَدُّ عَلَى الْكُلِّ مَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ ظُلْمًا فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُسْلِمِ هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ: وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ اهـ. وَالْبَغْيُ فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ مَجْرُورٌ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ مَرْفُوعٌ.

(قَوْلُهُ فَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ) بَيَانٌ لِحُكْمِهِ أَمَّا عَدَمُ الْغُسْلِ فَلِحَدِيثِ السُّنَنِ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ» ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لِعَدَمِ الْغُسْلِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا جَرْحَى فَقَدْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ إنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَمَّ الْغُسْلَ بِاعْتِبَارِ الْجِرَاحَةِ لَكَانَ التَّيَمُّمُ مَشْرُوعًا، وَأَمَّا الصَّلَاةُ «فَلِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ يَوْمَ أُحُدٍ» وَلِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ» ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَالْحَيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ حُكْمٌ أُخْرَوِيٌّ لَا دُنْيَوِيٌّ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْمَوْتَى لَهُمْ مِنْ قِسْمَةِ تَرِكَاتِهِمْ وَبَيْنُونَةِ نِسَائِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا لِلِاسْتِغْفَارِ وَهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ فَمُنْتَقَضٌ بِالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّبِيِّ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَبَوَيْهِ فَمَدْفُوعٌ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْمَدْعُوِّ لَهُ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ بِمُسْتَغْنٍ عَنْ الرَّحْمَةِ فَنَفْسُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ رَحْمَةٌ لَهُ وَنَفْسُ الدُّعَاءِ الْوَارِدِ لِأَبَوَيْهِ دُعَاءٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَهُمَا فِي الْخَيْرِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ قَالُوا إنَّ حَسَنَاتِ الصَّبِيِّ لَهُ لَا لِأَبَوَيْهِ، وَلَهُمَا ثَوَابُ التَّعْلِيمِ.

(قَوْلُهُ وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ إلَّا مَا لَيْسَ مِنْ الْكَفَنِ وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ) بَيَانٌ لِحُكْمٍ آخَرَ لَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ جَمِيعُ ثِيَابِهِ وَيُجَدَّدُ الْكَفَنُ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَالُوا مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالسِّلَاحُ وَالْخُفُّ وَقَدَّمْنَا فِيهِ كَلَامًا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ يُزَادُ وَيُنْقَصُ فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا يُزَادُ إنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ نَاقِصًا عَنْ كَفَنِ السُّنَّةِ وَيُنْقَصُ إنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ زَائِدًا عَلَى كَفَنِ السُّنَّةِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الْكَفَنِ عَلَى الثَّلَاثِ وَفِيهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَافِعَ الْمَذْكُورَ شَهِيدٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَكَوْنُهُ شَهِيدًا مَعَ قَتْلِهِ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ مُشْكِلٌ جِدًّا لِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَتْلِهِ فَتَدَبَّرْهُ مُمْعِنًا النَّظَرَ فِيهِ. اهـ.

وَمِثْلُ الْمُدَافِعِ عَنْ نَفْسِهِ الْمُدَافِعُ عَنْ غَيْرِهِ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَالْجَوَابُ عَنْ إشْكَالِهِ أَنَّ هَذَا الْقَاتِلَ إنْ كَانَ مُكَابِرًا فِي الْمِصْرِ لَيْلًا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ لِصًّا نَزَلَ عَلَيْهِ لَيْلًا لِيَقْتُلَهُ أَوْ يَأْخُذَ مَالَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا دِيَةَ كَمَا لَا دِيَةَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ فَقَوْلُهُ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ مَمْنُوعٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ شَهِيدٌ وَلَا إشْكَالَ تَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ فَمَدْفُوعٌ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْمَدْعُوِّ لَهُ) ذُكِرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مَمْنُوعٌ وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْغَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>