للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكَانَتْ سَائِمَةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكَلَأُ الَّذِي تَرْعَاهُ مُبَاحًا كَمَا قَيَّدَهُ الشُّمُنِّيُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا رَعَتْ الدَّوَابُّ مِنْ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَيَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُ الْمُبَاحِ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِيمَا دُونَهُ فِي كُلٍّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِبِلُ لَيْسَ لَهَا وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهَا وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا إبَلِيٌّ بِفَتْحِ الْبَاءِ كَقَوْلِهِمْ فِي النِّسْبَةِ إلَى سَلَمَةَ سُلَمِيٌّ بِالْفَتْحِ لِتَوَالِي الْكَسَرَاتِ مَعَ الْيَاءِ وَالْمَخَاضُ النُّوقُ الْحَوَامِلُ وَابْنُ الْمَخَاضِ هُوَ الْفَصِيلُ الَّذِي حَمَلَتْ أُمُّهُ قَبْلَ ابْنِ اللَّبُونِ بِسَنَةٍ، وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْمَخَاضِ، وَالْمَخَاضُ أَيْضًا: وَجَعُ الْوِلَادَةِ قَالَ - تَعَالَى - {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: ٢٣] وَشَاةٌ لَبُونً ذَاتُ لَبَنٍ وَابْنُ اللَّبُونِ الَّذِي اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ، وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ وَالْحَقُّ مِنْ الْإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْحِقَّةُ الْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ حِقَاقٌ وَالْجَذَعُ مِنْ الْبَهَائِمِ قَبْلَ الثَّنِيِّ إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْإِبِلِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ، وَالْأُنْثَى جَذَعَةٌ هَذَا فِي اللُّغَةِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: وَالْمُرَادُ بِبِنْتِ الْمَخَاضِ مَا تَمَّ لَهَا سَنَةٌ، وَبِنْتُ اللَّبُونِ مَا تَمَّ لَهَا سَنَتَانِ، وَبِالْحِقَّةِ مَا تَمَّ لَهَا ثَلَاثٌ وَبِالْجَذَعَةِ مَا تَمَّ لَهَا أَرْبَعٌ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النِّكَاحِ أَنَّ قَيْدَ كَوْنِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ أَوْ بِنْتَ لَبُونٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ، فَالْمُرَادُ السِّنُّ لَا أَنْ تَكُونَ أُمُّهَا مَخَاضًا أَوْ لَبُونًا اهـ.

وَاقْتَصَرَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْنَانِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الزَّكَاةِ كَالثَّنِيِّ وَالسَّدِيسِ وَالْبَازِلِ تَيْسِيرًا عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ بِهَذِهِ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الثَّنِيُّ، وَلَا يَجُوزُ الْجَذَعُ إلَّا مِنْ الضَّأْنِ

وَقَالُوا: هَذِهِ الْأَسْنَانُ الْأَرْبَعَةُ نِهَايَةُ الْإِبِلِ فِي الْحُسْنِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالْقُوَّةِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ رُجُوعٌ كَالْكِبَرِ وَالْهَرَمِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ، وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ إيجَابَ الشَّاةِ فِي خَمْسَةٍ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ رُبْعُ الْعُشْرِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبْعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» ، وَالشَّاةُ تَقْرُبُ مِنْ رُبْعِ عُشْرٍ فَإِنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ هُنَاكَ، وَابْنَةُ مَخَاضٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِيجَابُ الشَّاةِ فِي الْخَمْسِ كَإِيجَابِهَا فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَضَعُ الْعَشَرَةَ مَوْضِعَ الشَّاةِ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِخِلَافِهِ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ السِّنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِبِلِ بِالْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا دَفْعُ الذُّكُورِ كَابْنِ الْمَخَاضِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لِلْإِنَاثِ إلَّا فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي السِّنِّ الْوَاجِبِ فِيهِمَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ مِنْ التَّبِيعِ وَالْمُسِنِّ، وَفِي الْبَدَائِعِ

وَلَا يَجُوزُ فِي الصَّدَقَةِ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْإِبِلِ فَشَمِلَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِنِصَابِهَا بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَاسْمُ الْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ كَاسْمِ الْحَيَوَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْأَهْلِيَّيْنِ أَوْ مِنْ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأُمُّ أَهْلِيَّةً كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الشَّاةِ وَالظَّبْيِ إذَا كَانَ أُمُّهُ شَاةً وَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْبَقَرِ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ إذَا كَانَ أُمُّهُ أَهْلِيَّةً فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْكُلُّ صِغَارًا لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَالصِّغَارُ تَبَعٌ لِلْكِبَارِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ وَشَمِلَ الْأَعْمَى وَالْمَرِيضَ وَالْأَعْرَجَ فِي الْعَدَدِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَمِلَ السِّمَانَ وَالْعِجَافَ لَكِنْ قَالُوا: إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مَهَازِيلُ وَجَبَ فِيهَا شَاةٌ بِقَدْرِهِنَّ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشَّاةِ الْوَسَطِ كَمْ هِيَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ الْوَسَطِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ خَمْسِينَ، وَقِيمَةُ الشَّاةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَوْ قَالَ إلَّا فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِيهَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَصْوَبَ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَقَدْ وَجَبَتْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ دُونِ الْخَمْسَةِ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>