للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ لَا زَكَاةَ فِي الْعَفْوِ، وَهُوَ لُغَةً مُشْتَرِكٌ بَيْنَ أَفْضَلِ الْمَالِ وَأَفْضَلِ الْمَرْعَى وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِعْطَاءِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَالْفَاضِلِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْمَكَانِ الَّذِي لَمْ يُوطَأْ وَالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ عُقُوبَةِ الْمُذْنِبِ وَشَرْعًا مَا بَيْنَ النُّصُبِ كَالْأَرْبَعَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ مِنْ الْإِبِلِ إلَى الْعَشْرِ، وَكَالْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الزَّكَاةُ فِي النِّصَابِ لَا فِي الْعَفْوِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فِيهِمَا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَفْوُ، وَبَقِيَ النِّصَابُ يَبْقَى كُلُّ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ، وَيَسْقُطُ بِقَدْرِهِ عِنْدَ الْآخَرَيْنِ فَلَوْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعَةٌ، وَمِنْ الْغَنَمِ ثَمَانُونَ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثُلُثَا شَاةٍ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النُّصُبِ شَائِعًا، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَقَوْلِ إمَامِهِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَاةً فَهَلَكَ إحْدَى وَثَمَانُونَ بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ شَاةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاتَيْنِ وَلَوْ هَلَكَ شَاةٌ فَقَطْ بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ شَاةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاتَيْنِ وَيَبْقَى الْبَاقِي، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ نِصْفُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْوَاجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ اللَّبُونِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ، وَلَوْ هَلَكَ عَشَرَةٌ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَعِنْدَهُ الْوَاجِبُ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْعَفْوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ الْعَفْوُ إلَّا فِي السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا عَفْوَ فِيهِ عِنْدَهُمَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا الْهَالِكُ بَعْدَ الْوُجُوبِ) أَيْ لَا شَيْءَ فِي الْهَالِكِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ كُلُّهُ سَقَطَ الْوَاجِبُ كُلُّهُ، وَإِنْ بَعْضُهُ فَبِحِسَابِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالْعَيْنُ مُرْتَهِنَةٌ بِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ الظَّوَاهِرُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ وَفَرَّطَ فِي التَّأْخِيرِ حَتَّى هَلَكَ، وَمَا إذَا مَنَعَ الْإِمَامَ أَوْ السَّاعِيَ بَعْدَ الطَّلَبِ حَتَّى هَلَكَ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى السُّقُوطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ بِهَذَا الْمَنْعِ مِلْكًا عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَدًا فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَبَ وَاحِدٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِأَنَّ السَّاعِيَ، وَإِنْ تَعَيَّنَ لَكِنْ لِلْمَالِكِ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ ثُمَّ الْقِيمَةُ شَائِعَةٌ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ، وَالرَّأْيُ يَسْتَدْعِي زَمَانًا فَالْحَبْسُ لِذَلِكَ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حَبَسَ السَّائِمَةَ لِلْعَلَفِ أَوْ لِلْمَاءِ حَتَّى هَلَكَتْ قِيلَ هُوَ اسْتِهْلَاكٌ فَيَضْمَنُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ كَالْوَدِيعَةِ إذَا مَنَعَهَا لِذَلِكَ حَتَّى هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الْحَوْلِ مُطْلَقًا لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَاسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَقُيِّدَ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ إلَخْ) أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِهْلَاكِ إخْرَاجُ النِّصَابِ عَنْ مِلْكِهِ قَصْدًا بِلَا بَدَلٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فَاسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ السَّائِمَةِ، فَإِنَّ اسْتِبْدَالَهَا وَلَوْ بِجِنْسِهَا اسْتِهْلَاكٌ؛ لِأَنَّ بَدَلَهَا لَا يَقُومُ مَقَامَهَا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حَبَسَ السَّائِمَةَ لِلْعَلَفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ جَزَمَ بِهِ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ لِلْعَلَفِ أَوْ لِلْمَاءِ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَاسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ) أَيْ وَلَيْسَ بِهَلَاكٍ أَيْضًا خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ لِقِيَامِ النِّصَابِ عَلَى حَالِهِ بِوُجُودِ بَدَلِهِ بِخِلَافِ اسْتِبْدَالِ السَّائِمَةِ وَلَوْ بِجِنْسِهَا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَقُمْ بَدَلُهَا مَقَامَهَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ اسْتَبْدَلَ مَالَ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ، وَهِيَ الْعُرُوض قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَوْلِ سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِ بِجِنْسِهَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَعْنَى الْمَالِ، وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَالْقِيمَةُ فَكَانَ الْحَوْلُ مُنْعَقِدًا عَلَى الْمَعْنَى، وَأَنَّهُ قَائِمٌ لَمْ يُفْتِ بِالِاسْتِبْدَالِ وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا بِأَنْ بَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّيَارِفَةِ لِوُجُودِ الِاسْتِبْدَالِ مِنْهُمْ سَاعَةً فَسَاعَةً كَمَا إذَا بَاعَ السَّائِمَةَ بِالسَّائِمَةِ، وَلَنَا أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>