وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ الْمُتَقَدِّمُ،، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا هَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا عُدِمَ الشَّرْطُ انْعَدَمَ الْحُكْمُ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا بِأَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ أَثَّرَ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ وَسُنَّ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ وَعَرَفَةَ) أَيْ وَسُنَّ الْغُسْلُ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَقِيلَ فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ هَذِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ لَا رُخْصَةٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ وَالضَّمِيرُ فِي فَبِهَا يَعُودُ إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ مَشْهُورًا، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْوُجُوبِ إلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَتَمَسَّكُوا بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»
وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ كَانَ وَنُسِخَ وَدُفِعَ بِأَنَّ النَّاسِخَ، وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِيهِ تَارِيخٌ أَيْضًا فَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُقَدَّمُ الْمُوجِبُ ثَانِيهَا أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءٍ عِلَّتِهِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا فَقَالُوا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ طَهُورٌ وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ «كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُ رِيَاحٌ حَتَّى أَذَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمَّا وَجَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تِلْكَ الرِّيَاحَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَمْثَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ النَّسَبُ وَبِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ شَرْعًا عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاجِبٌ فِي الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ وَحُسْنُ السُّنَّةِ بِقَرِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ وَمُنْفَصِلَةٍ أَمَّا الْمُتَّصِلَةُ، فَهِيَ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِمَا لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ وَالطِّيبُ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطِّيبَ وَالسِّوَاكَ لَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ، فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّشْبِيهَ فِي الْهَيْئَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ لَا فِي كَوْنِهِ فَرْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوُضُوءِ، وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَهِيَ قَوْلُهُ «وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» ، وَأَمَّا كَوْنُ الْغُسْلِ سُنَّةً لِلْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute