للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُغْرِبِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ، وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ، أَوْ مُتَوَاطِئًا؛ إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ كَانَ التَّوَاطُؤُ مُتَعَيِّنًا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الرِّكَازَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهَا مُرَكَّبًا، وَفِي الْكَنْزِ مَجَازٌ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَفِي الْمُغْرِبِ عَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْأَرْضِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُقِيمُونَ فِيهِ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ، وَقِيلَ لِإِنْبَاتِ اللَّهِ فِيهِ جَوْهَرَهُمَا وَإِثْبَاتِهِ إيَّاهُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى عَدَنَ فِيهَا أَيْ ثَبَتَ. اهـ.

(قَوْلُهُ خُمُسُ مَعْدِنِ نَقْدٍ وَنَحْوِ حَدِيدٍ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» ، وَهُوَ مِنْ الرِّكْزِ فَانْطَلَقَ عَلَى الْمَعْدِنِ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَحَوَتْهُ أَيْدِينَا غَلَبَةً فَكَانَ غَنِيمَةً، وَفِي الْغَنِيمَةِ الْخُمُسُ إلَّا أَنَّ لِلْغَانِمِينَ يَدًا حُكْمِيَّةً لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِلْوَاجِدِ فَاعْتَبَرْنَا الْحُكْمِيَّةَ فِي حَقِّ الْخُمُسِ وَالْحَقِيقَةَ فِي حَقِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ حَتَّى كَانَتْ لِلْوَاجِدِ، وَالنَّقْدُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَنَحْوُ الْحَدِيدِ كُلُّ جَامِدٍ يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ كَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالصُّفْرِ، وَقُيِّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَائِعَاتِ كَالْقَارِ وَالنَّفْطِ وَالْمِلْحِ، وَعَنْ الْجَامِدِ الَّذِي لَا يَنْطَبِعُ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْجَوَاهِرِ كَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالزُّمُرُّدِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا وَأَطْلَقَ فِي الْوَاجِدِ فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَالْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ

وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا عَمِلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ عَمِلَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ مَا شَرَطَ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ وَإِذَا عَمِلَ رَجُلَانِ فِي طَلَبِ الرِّكَازِ وَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا يَكُونُ لِلْوَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ لِلْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ فَالْمُصَابُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ وَجَدَ رِكَازًا فَبَاعَهُ بِعِوَضٍ فَالْخُمُسُ عَلَى الَّذِي فِي يَدِهِ الرِّكَازُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِخُمُسِ الثَّمَنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَمَنْ أَصَابَ رِكَازًا وَسِعَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِذَا أَطْلَعَ الْإِمَامَ عَلَى ذَلِكَ أَمْضَى لَهُ مَا صَنَعَ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَقَدْ أَوْصَلَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَهُوَ فِي إصَابَةِ الرِّكَازِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الْحِمَايَةِ فَهُوَ كَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ: وَيَجُوزُ دَفْعُ الْخُمُسِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي الْغَنَائِمِ، وَيَجُوزُ لِلْوَاجِدِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا، وَلَا تُغْنِيهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ بِأَنْ كَانَ دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَمَّا إذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْخُمُسِ اهـ.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ مَعَ فَقْرِ الْوَاجِدِ وَجَوَازِ صَرْفِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْخُمُسُ مَعَ الْفَقْرِ كَاللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ النَّصَّ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُهُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ فِي أَرْضٍ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ لِيُخْرِجَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا لَكِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ الْأَرْضُ الَّتِي لَا وَظِيفَةَ فِيهَا كَالْمَفَازَةِ؛ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَجْعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الِاحْتِرَازِ بَلْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ وَظِيفَتَهُمَا الْمُسْتَمِرَّةَ لَا تَمْنَعُ الْأَخْذَ مِمَّا يُوجَدُ فِيهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُغْرِبِ خَمَسَ الْقَوْمَ إذَا أَخَذَ خُمُسَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ بَابِ طَلَبَ اهـ.

وَاسْتَشْهَدَ لَهُ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ بِقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ رَبَّعْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَخَمَسْتُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْخُمُسُ بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْمِيمُ وَبِهِ قُرِئَ فِي قَوْله تَعَالَى - {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: خَمَسَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَجَازَ بِنَاءُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ مَنْ قَرَأَهُ خَمَّسَ بِتَشْدِيدِ الْمِيم ظَنًّا مِنْهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: عِبَارَتُهُ وَالرِّكَازُ اسْمٌ لَهَا جَمِيعًا فَقَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْكَنْزُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْدِنُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرِّكْزِ، وَهُوَ الْإِثْبَاتُ يُقَالُ: رَكَّزَ رُمْحَهُ أَيْ أَثْبَتَهُ، وَهَذَا فِي الْمَعْدِنِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهِ مُرَكَّبًا، وَفِي الْكَنْزِ مَجَازٌ بِالْمُجَاوَرَةِ كَذَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.

فَبِهِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ: انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ إذْ لَمْ يَجْعَلْهُ نَفْسَهُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْدِنِ مَجَازًا فِي الْكَنْزِ تَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عَشْرٍ إلَخْ) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ هُوَ الْأَرْضُ الْغَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ مَنْزِلٍ أَوْ حَانُوتٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ وَحْدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَخْ لَكِنْ إذَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ، وَذَلِكَ كَالْمَفَازَةِ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ عُشْرِيَّةً، وَلَا خَرَاجِيَّةً فَكَيْفَ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِأَرْضِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ أَرْضُ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَجْعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الِاحْتِرَازِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ بَحْثٌ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّارِ، وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمَفَازَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ فِي الْأَرْضِ مَعَ الْوَظِيفَةِ فَلَأَنْ يَجِبَ فِي الْخَالِيَةِ عَنْهَا أَوْلَى. اهـ.

قُلْت: وَفِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا عَدَمَ لُزُومِ الْمُؤَنِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخُمُسِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>