وَهُوَ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَمَصْرِفٌ فَالْأَوْلَى الْإِطْلَاقُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى مُكَاتَبِ الْغَنِيِّ جَائِزٌ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الدَّفْعِ لِطِفْلِ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَاءِ أَبِيهِ كَذَا قَالُوا، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الدَّفْعَ لِوَلَدِ الْغَنِيَّةِ جَائِزٌ؛ إذْ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَاءِ أُمِّهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ وَأَطْلَقَ الطِّفْلَ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَمَنْ هُوَ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَقُيِّدَ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لِوَلَدِ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ كَبِيرًا جَائِزٌ مُطْلَقًا وَقُيِّدَ بِعَبْدِهِ وَطِفْلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى أَبِي الْغَنِيِّ وَزَوْجَتِهِ جَائِزٌ سَوَاءٌ فَرَضَ لَهَا نَفَقَةً أَوْ لَا.
(قَوْلُهُ وَبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُمْ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «نَحْنُ - أَهْلَ بَيْتٍ - لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» قَدْ أَطْلَقَ فِي بَنِي هَاشِمٍ فَشَمِلَ مَنْ كَانَ نَاصِرًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَمْ يَكُنْ نَاصِرًا لَهُ مِنْهُمْ كَوَلَدِ أَبِي لَهَبٍ فَيَدْخُلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِكَوْنِهِ هَاشِمِيًّا، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الصَّدَقَةِ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا بِالنُّصْرَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا بِآلِ عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ وَحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَا بِإِخْرَاجِ أَبِي لَهَبٍ وَأَوْلَادِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ لِبَنِي هَاشِمٍ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُمْ وَلِذُرِّيَّتِهِمْ حَيْثُ نَصَرُوهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ، وَأَبُو لَهَبٍ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْتَحِقَّهَا بَنُوهُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَرَوَى حَدِيثًا «لَا قَرَابَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي لَهَبٍ»
وَنَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَيَّدَ بَنِي هَاشِمٍ بِالْخَمْسَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَكَانَ الْمَذْهَبُ التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْكَرْخِيَّ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَقُيِّدَ بِبَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَلَيْسُوا كَبَنِي هَاشِمٍ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ جَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَلِعَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةُ بَنِينَ هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَالْخَمْسَةُ الْمَذْكُورُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ وَالْحَارِثَ عَمَّانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَجَعْفَرٌ وَعَقِيلٌ أَخَوَانِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ عَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لِأَبِي طَالِبٍ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْأَوْلَادِ، وُلِدَ لَهُ طَالِبٌ فَمَاتَ، وَلَمْ يُعْقِبْ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقِيلٍ عَشْرُ سِنِينَ وَبَيْنَ عَقِيلٍ وَجَعْفَرٍ عَشْرُ سِنِينَ وَبَيْنَ جَعْفَرٍ وَعَلِيٍّ عَشْرُ سِنِينَ، وَأُمُّهُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجَمْهَرَةِ النَّسَبِ
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: وَهَذَا فِي الْوَاجِبَاتِ كَالزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ وَالْعُشْرِ وَالْكَفَّارَةِ أَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَفِي النَّفْلِ تَبَرُّعٌ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى كَمَنْ تَبَرَّدَ بِالْمَاءِ اهـ.
وَإِنَّمَا لَمْ تَلْحَقْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لَهُمْ بِالْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ فَيَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِهِ فِي الْمَاءِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ: الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ إذْ ازْدِيَادُ النُّورِ يَقْتَضِي زَوَالَ الظُّلْمَةِ بِقَدْرِهِ لَا مَحَالَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ مُخْتَصَرًا، وَفِيهَا عَنْ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ النَّفَلَ جَائِزٌ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ كَالنَّفْلِ لِلْغَنِيِّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَعَزَاهُ إلَى النَّوَادِرِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَمْ يَنْقُلْ غَيْرَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ
وَأَثْبَتَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْخِلَافَ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ الْحُرْمَةِ وَقَوَّاهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِإِطْلَاقِهِ وَقَدْ سَوَّى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْوَقْفِ كَمَا سَمِعْت وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْحِلَّ مُقَيَّدٌ بِمَا سَمَّاهُمْ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ فَلَا؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَابَ صَدَقَةِ الْوَقْفِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ كَبِيرًا) أَيْ بَالِغًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطِّفْلِ غَيْرُ الْبَالِغِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute