التَّطَوُّعِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرَدَّ قَوْلَهُ صَامَ فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هِلَالِ رَمَضَانَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] ، وَهَذَا قَدْ شَهِدَهُ وَالْحَدِيثُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهُمْ وَلِأَنَّ تَفَرُّدَهُ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ النَّاسِ عَلَى طَلَبِهِ دَلِيلُ غَلَطِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فِيمَا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَصُمْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّهَا أُلْحِقَتْ بِالْعُقُوبَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا أَغْلَبُ بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ وَالْمُخْطِئِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالْعِبَادَةُ أَغْلَبُ كَمَا عُرِفَ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَرَدَّ قَوْلُهُ أَيْ وَرَدَّ الْقَاضِي أَخْبَارَهُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فَإِنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ عَدَمَ وُجُوبِهَا وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَوْمٌ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ فَإِنَّ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَعَطَاءً قَالُوا بِأَنَّهُ لَا يَصُومُهُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَاحْتِرَازًا عَمَّا إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ، وَهُوَ فَاسِقٌ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَأَفْطَرَ هُوَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّاسِ فَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ النَّفْيِ كَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَأَفَادَ أَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ مُوجِبٌ لِإِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ فَدَخَلَ مَا إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَصُمْ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا فِي الْفِطْرِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ، وَلَهُ أَنْ يَصُومَ إذَا رَآهُ، وَالْوَالِي إذَا أَخْبَرَ صَدِيقَهُ صَامَ إنْ صَدَّقَهُ، وَلَا يُفْطِرُ، وَإِنْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فِي الرُّسْتَاقِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ وَالٍ وَقَاضٍ فَإِنْ كَانَ ثِقَةً يَصُومُ النَّاسُ بِقَوْلِهِ، وَفِي الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْطِرُوا اهـ.
وَأَشَارَ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ إلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا صَامَ وَأَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِلَّتُهُ الِاحْتِيَاطُ، وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْخِيرِ الْإِفْطَارِ
وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّائِي فَشَمِلَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ.
وَأَشَارَ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ لَا يُفْطِرُ لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ، وَإِلَى رَدِّ مَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا أَيْقَنَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ الْفِطْرِ أَفْطَرَ لَكِنْ يَأْكُلُ سِرًّا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا: وَإِذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَرَجُلٌ بِرُؤْيَةٍ فَنَقَصَ لَهُ يَوْمٌ جَازَ.
(قَوْلُهُ: وَقَبِلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ، وَلَوْ قِنًّا أَوْ أُنْثَى لِرَمَضَانَ وَحُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ لِلْفِطْرِ) ؛ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْإِخْبَارِ؛ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَشْتَرِطُ الدَّعْوَى لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: إنَّهُ قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ الدَّعْوَى أَمَّا فِي شَهَادَةِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَيَشْتَرِطُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ، وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَالْهِلَالِ وَرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ كَفَاسِقَيْنِ فَأَكْثَرَ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَا يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهِ مِنْهُمْ حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ كَالْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَحِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ وَبِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ، وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ
ــ
[منحة الخالق]
وَغَيْرِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ صَوْمُهَا لِمَعْنَى مَا فِي التُّحْفَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا كُرِهَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ وَمَا فِي التُّحْفَةِ أَوْجَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَفَادَ أَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّدِ الْوَاحِدَ؛ إذْ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ لِعَدَمِ تَكَامُلِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَذَلِكَ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ شَامِلَةٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَامَّةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) قَالَ فِي الشرنبلالية أَيْ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا أَيْضًا، وَإِذَا صَامَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ صَامَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ مِنْ غَيْرِ عَدِّ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَمْ يَصُمْ مَعَهُمْ حَتَّى رَأَوْا الْهِلَالَ مِنْ الْغَدِ فَصَامَ أَهْلُ الْمِصْرِ