الْوَلَدِ وَالْأَمَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ الصَّوْمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمْ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ مَنَافِعَهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلزَّوْجِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ وَيَقْضِي الْعَبْدُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ أُعْتِقَ وَقَيَّدَ كَرَاهَةَ صَوْمِ الْأَجِيرِ أَيْضًا بِكَوْنِ الصَّوْمِ يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالُوا يُبَاحُ الْفِطْرُ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ أَيْ لَا يَمْنَعُ صَوْمُ النَّفْلِ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَفِي النَّظْمِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُفْطِرَ لِلضِّيَافَةِ، وَلَا يَقُولَ: أَنَا صَائِمٌ؛ لِئَلَّا يَقِفَ عَلَى سِرِّهِ أَحَدٌ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا يَصُومُ الْمَمْلُوكُ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا وَلَا ضَرَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ. اهـ.
وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ قَالُوا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَالْأَجِيرُ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْخِدْمَةُ وَكَذَا فِي الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالصَّلَاةَ سَوَاءٌ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إطْلَاقُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَضُرُّ بِبَدَنِ الْمَرْأَةِ وَيُهْزِلُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ الْآنَ يَطَؤُهَا وَالْعَبْدُ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى فَلَيْسَ لَهُ الصَّوْمُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ إلَّا فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا، وَفِي الْقُنْيَةِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ عَنْ كُلِّ مَا كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ جِهَتِهَا كَالتَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَكَذَا الْعَبْدُ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالصَّوْمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَرْأَةِ بِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إفْسَادَ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا) فَالْإِمْسَاكُ قَضَاءٌ لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ وَعَدَمُ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَأَطْلَقَ الْإِمْسَاكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ وَاجِبًا وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَفْطَرَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ صَامَاهُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَجِبُ، وَقَيَّدَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي آخِرِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ قِيَاسُ زُفَرَ وَفَرَّقَ أَئِمَّتُنَا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُوَ السَّبَبُ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ: الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ قَدْ يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ سَبَبًا لِلْمُؤَدَّى وَظَرْفًا لَهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ سَبَبًا وَمِعْيَارًا وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهِ مُقَدَّرًا بِهِ كَوَقْتِ الصَّوْمِ تَسَاهُلٌ؛ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ السَّبَبَ تَمَامُ الْوَقْتِ فِيهِمَا، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ ثُمَّ عَلَى مَا بَانَ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُرَادِ قَدْ يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ الْإِمْسَاكُ فِي نَفْسِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَزِمَ سَبْقُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِلُزُومِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ فَالْإِيجَابُ فِيهِ يَسْتَدْعِي سَبَبًا سَابِقًا وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ لَزِمَ كَوْنُ مَا ذَكَرُوهُ فِي وَقْتِ الصَّلَوَاتِ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ عَقِيبَهُ انْتَقَلَتْ إلَى مَا يَلِي ابْتِدَاءَ الشُّرُوعِ فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ تَقَرَّرَتْ السَّبَبِيَّةُ فِيهِ وَاعْتُبِرَ حَالُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ إذْ لَا دَاعِيَ لِجَعْلِهِ مَا يَلِيهِ دُونَ مَا يَقَعُ فِيهِ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ السَّبَبَ تَمَامُ الْوَقْتِ مُسَلَّمٌ لَوْ سَكَتُوا وَهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ كُلِّ الْوَقْتِ سَبَبًا فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرُوا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ مِنْ جُزْءٍ إلَى جُزْءٍ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ عَلَى مَا بَانَ إلَى آخِرِهِ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لِلَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ فَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ بِاللَّيْلَةِ فَالْإِمْسَاكُ إنَّمَا وَجَبَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ سَبْقِ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ إحَالَةَ الْمَنْعِ عَلَى الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِهِ أَوْلَى لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ لَا يُهْزِلُهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهُ عَنْ وَطْئِهَا وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ فَإِنْ انْتَفَى بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا جَازَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute