للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَسِيرِ لَا فِي الْيَسِيرِ، وَأَدَاؤُهَا يَسِيرٌ عَادَةً كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي بَحْثِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ وَلَبِّ دُبُرَ الصَّلَاةِ تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ) أَيْ لَبِّ عَقِبَهَا نَاوِيًا بِالتَّلْبِيَةِ الْحَجَّ وَالدُّبُرُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا آخِرُ الشَّيْءِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَإِنَّمَا يُلَبِّي لِمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تَلْبِيَتِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَفِي قَوْلِهِ تَنْوِي بِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مُحَصِّلًا لِلنِّيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الرُّوَاةِ لِنُسُكِهِ رَوَى أَنَّهُ سَمِعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ نَوَيْت الْعُمْرَةَ وَلَا الْحَجَّ، وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ لِيُطَابِقَ الْقَلْبَ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ بِدْعَةٌ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَلَبِّ، وَقَوْلُهُ تَنْوِي الْحَجَّ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْحَجُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَإِذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ، وَالْأَصْلُ حَدِيثُ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَهُ» فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ، وَطَافَ شَوْطًا كَانَ لِلْعُمْرَةِ، وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءَ حِجَّةٍ، وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي عُمْرَةٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ اهـ.

وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُصُولِ أَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَتَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَقْتَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ الْمِعْيَارِيَّةِ وَشُبْهَةُ الظَّرْفِيَّةِ فَالْأَوَّلُ لِلثَّانِي وَالثَّانِي لِلْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) هَكَذَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ تَلْبِيَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَفْظُهَا مَصْدَرٌ مُثَنًّى تَثْنِيَةً يُرَادُ بِهَا التَّكْثِيرُ، وَهُوَ مَلْزُومُ النَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ، وَالنَّاصِبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ تَقْدِيرُهُ أَجَبْتُ إجَابَتَكَ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَكَأَنَّهُ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ فَهُوَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفُ الزَّوَائِدِ، وَالْقِيَاسُ إلْبَابٌ وَمُفْرَدُ لَبَّيْكَ لَبَّ، وَاخْتُلِفَ فِي الدَّاعِي فَقِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَقِيلَ رَسُولُنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتُلِفَ فِي هَمْزِ إنَّ الْحَمْدَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ الْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَوْجَهَ الْكَسْرُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الثَّنَاءِ، وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الْفَتْحُ أَحْسَنُ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ اسْتِئْنَافُ الثَّنَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ مَعَ الْكَسْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي قَوْلِكَ عَلِّمْ ابْنَكَ الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ قَالَ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣] وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ لَكِنْ لَمَّا جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ وَلِأَكْثَرِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ، لَيْسَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ.

(قَوْلُهُ وَزِدْ فِيهَا وَلَا تَنْقُصْ) أَيْ فِي التَّلْبِيَةِ وَلَا تَنْقُصْ مِنْهَا، وَالزِّيَادَةُ مِثْلُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ لَبَّيْكَ إلَهَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ نَاوِيًا بِالتَّلْبِيَةِ الْحَجَّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ تَنْوِي بِهَا لَيْسَ بِإِضْمَارٍ قَبْلَ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَبِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَبِّ وَلِهَذَا قَالَ وَلَبِّ بَعْدَ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي. (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ إلَخْ) قَالَ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَتَعْيِينُ النُّسُكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَحَّ مُبْهَمًا وَبِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْغَيْرُ، ثُمَّ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَلَوْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مُبْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْحَجُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْحَجُّ بَلْ هُوَ عُمْرَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ لَاحِقِهِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَنْوِ فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا فَهُوَ فَرْضٌ أَيْ فَيَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ اسْتِحْسَانًا بِالِاتِّفَاقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يَقَعُ نَفْلًا وَلَوْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ النَّذْرَ أَوْ النَّفَلَ كَانَ عَمَّا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لِلْفَرْضِ أَيْ لِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ الصَّرِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ نَوَى لِلْمَنْذُورِ وَالنَّفَلِ مَعًا قِيلَ هُوَ نَفْلٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ نَذْرٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ وَالثَّانِي أَوْسَعُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا فَهُوَ فَرْضٌ اهـ.

مَتْنًا وَشَرْحًا مُلَخَّصًا وَفِي مَتْنِهِ أَحْرَمَ بِشَيْءٍ ثُمَّ نَسِيَهُ لَزِمَهُ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ يُقَدِّمُ أَفْعَالَهَا عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ هَدْيُ الْقِرَانِ.

(قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ لِلثَّانِي) أَيْ عَدَمُ تَأَدِّيهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِشُبْهَةِ الظَّرْفِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي لِلْأَوَّلِ أَيْ وَتَأَدِّيهَا بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ لِشُبْهَةِ الْمِعْيَارِيَّةِ كَالصَّوْمِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَزِدْ فِيهَا) أَيْ زِدْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا شِئْت كَذَا فِي الشَّرْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ فَالظَّرْفُ بِمَعْنَى عَلَى؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا لَا فِي خِلَالِهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>