وَالتَّرْبِيَةِ صَارَ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ قَامَ بِهِ دَلَالَةً، وَكَذَا لَوْ سَقَاهَا أَجْنَبِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَمِنْهَا مَنْ أَحْضَرَ فَعْلَةً لِهَدْمِ دَارٍ فَهَدَمَ آخَرُ بِلَا إذْنٍ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِهَا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ تَثْبُتُ الِاسْتِعَانَةُ فِيهِ بِكُلِّ أَحَدٍ دَلَالَةً وَكُلَّ عَمَلٍ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ لَا تَثْبُتُ الِاسْتِعَانَةُ فِيهِ بِكُلِّ أَحَدٍ كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً وَعَلَّقَهَا لِلسَّلْخِ فَسَلَخَهَا رَجُلٌ بِلَا إذْنِهِ ضَمِنَ اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ النِّيَّةُ مَعَ التَّلْبِيَةِ فَإِذَا نَوَى الرَّفِيقَ وَلَبَّى صَارَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُحْرِمًا لَا الرَّفِيقُ وَلِذَا يَجُوزُ لِلرَّفِيقِ بَعْدَهُ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا لِنَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ النَّائِبَ التَّجَرُّدُ عَنْ الْمَخِيطِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ رَفِيقِهِ وَارْتَكَبَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْقَارِنِ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ.
وَشَمِلَ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ بِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بِمَكَّةَ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالْمُرَادُ بِالرَّفِيقِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُخَالِطًا لَهُ أَوْ لَا كَمَا قَالُوا فِيمَا إذَا خَافَ عَطَشَ رَفِيقِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّهُ الْوَاحِدُ مِنْ الْقَافِلَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدَّادِيُّ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَحِينَئِذٍ ذِكْرُ الرَّفِيقِ فِي عِبَارَتِهِمْ هُنَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ غَيْرُ رَفِيقِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يُرَجِّحْ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ لَا الْوِلَايَةِ وَدَلَالَةُ الْإِعَانَةِ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عُلِمَ قَصْدُهُ رَفِيقًا كَانَ أَوْ لَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عِنْدَنَا اتِّفَاقًا كَالْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ فَجَازَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَافَقَةَ تَكُونُ أَمْرًا بِهِ دَلَالَةٌ عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ لَا اهـ.
وَيُرَجِّحُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ فِيهَا دَلَالَةً لَمْ تَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ بَلْ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَمَرَّ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَأَدَّى عَنْهُ رَفِيقُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ الْمَشَاهِدَ وَلَمْ يَطُفْ بِهِ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ مِمَّا تُجْزِئُ فِيهَا النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي اسْتِنَابَةِ الزَّمِنِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ تَبَيَّنَ أَنَّ عَجْزَهُ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطْ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِيهِ، ثُمَّ يَجْرِي هُوَ عَلَى مُوجِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّفِيقَ بِفِعْلِ الْمَحْظُورِ شَيْءٌ بِخِلَافِ النَّائِبِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ إفَاقَتَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَنَقَلْنَا الْإِحْرَامَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ إذْ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ الرَّفِيقُ الْمَنَاسِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ.
وَقَدْ سَبَقَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ، وَيُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ كَمَا يُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ، وَقَيَّدْنَا بِالْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ إذَا طَافَ بِهِ رَفِيقُهُ وَهُوَ نَائِمٌ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِ الْآمِرِ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَظَهَرَ أَنَّ النَّائِمَ يُشْتَرَطُ صَرِيحُ الْإِذْنِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْحَامِلِ لِلطَّوَافِ إنْ كَانَ الْمَحْمُولُ مُغْمًى عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ وَطَافَ بِهِ طَالِبًا الْغَرِيمَ لَمْ يُجْزِهِ بِخِلَافِ النَّائِمِ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْحَامِلِ لَهُ
ــ
[منحة الخالق]
فِي الِاعْتِكَافِ مِنْ أَنَّ النَّذْرَ بِهَا لَا يَصِحُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّهَا فُرِضَتْ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ لَا لِعَيْنِهَا.
(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ إطْلَاقُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ وَفِي النَّهْرِ ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي قَرِيبًا عَمَّنْ قَصَدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِقَصْدِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْإِحْرَامُ بِهِمَا بَلْ إمَّا بِالْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَجِّ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ مِنْ الْمِيقَاتِ لَيْلَةَ الْوُقُوفِ مَثَلًا تَعَيَّنَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْهُ وَإِلَّا بِأَنْ دَخَلُوا فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَبِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَانَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِمَا يَنْفَعُ لَا بِغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْوَقْتُ لِلْحَجِّ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ لَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ بِهِ اهـ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤَلِّفِ مَا فِي الشرنبلالية أَنَّ الْمُسَافِرَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَقَدْ يَمْتَدُّ الْإِغْمَاءُ وَلَا يَحْصُلُ إحْرَامٌ عَنْهُ بِالْحَجِّ فَيَفُوتُ مَقْصِدُهُ ظَاهِرًا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ سَبَقَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ) وَتَمَامُ كَلَامِهِ فَهُوَ كَمَنْ نَوَى الصَّلَاةَ فِي ابْتِدَائِهَا ثُمَّ أَدَّى الْأَفْعَالَ سَاهِيًا لَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ حَيْثُ يُجْزِئُهُ لِسَبْقِ النِّيَّةِ اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِبَعْضِ أَرْكَانِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَهُوَ الطَّوَافُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَذِهِ النِّيَّةُ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: مَا عَلَّلَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِلطَّوَافِ أَصْلًا، وَأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ مَا فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّوَافِ عِنْدَ الطَّوَافِ.
وَأَشَارَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ إلَى أَنَّ نِيَّةَ الطَّوَافِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ أَصْلًا، وَأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَافِيَةٌ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ نَعَمْ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ مُؤَاخَذَةٌ لَا تَخْفَى وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ طَافَ بِنَائِمٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ لَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْحَامِلِ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ كَافِيَةٌ وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذَا فِي الْبَحْرِ فَزَعَمَ أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ الْمُقَابِلِ. اهـ.
، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا سَيَأْتِي عَنْ