للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَبَبَ وُجُوبِهِ التَّمَتُّعُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ سَبَبِهِ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ لَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ) أَيْ صَحَّ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ بَعْدَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ التَّمَتُّعُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ التَّرَفُّقُ لِتَرْتِيبِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِالنَّصِّ وَمَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً لِلْمُتَرَتِّبِ، وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ هِيَ السَّبَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي بِهَا يَتَحَقَّقُ التَّرَفُّقُ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى التَّمَتُّعِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِلَا فِعْلٍ نَزَلَ الْإِحْرَامُ مَنْزِلَتَهَا فَلِذَا جَازَ بَعْدَ إحْرَامِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا قَيَّدَ بِصَوْمِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِمَا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَصَلَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ أَيْ فِي وَقْتِهِ وَالسَّبْعَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الصَّوْمِ فِي شَوَّالٍ أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ صَوْمِهَا إلَى السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِرَجَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْهَدْيُ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ سَوْقَ الْهَدْيِ أَحْرَمَ وَسَاقَ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ وَلَا يُشْعِرُ) بَيَانٌ لِأَفْضَلِ التَّمَتُّعِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَسَاقَ بِمَعْنَى ثُمَّ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالسَّوْقِ وَالتَّوَجُّهِ بَلْ يُحْرِمَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالنِّيَّةِ، ثُمَّ يَسُوقَ وَأَفَادَ بِالتَّقْلِيدِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّحْلِيلِ وَبِالسَّوْقِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقَوَدِ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَيَقُودُهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَرَادَ عَائِدٌ إلَى الْمُتَمَتِّعِ بِمَعْنَى مُرِيدِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ وَقَيَّدَ بِالْبَدَنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ لَا يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا وَالْإِشْعَارُ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْبَدَنَةَ هَدْيٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا وَالْأَشْبَهُ هُوَ الْأَيْسَرُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَسَنٌ عِنْدَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَأُجِيبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ فَتَعَارَضَا فَرَجَّحْنَا الْمَنْعَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ نَهْيٌ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْمُبِيحِ وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَا يَكُونُ تَشْوِيهًا كَقَطْعِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ فَلَيْسَ كُلُّ جَرْحٍ مُثْلَةً وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَفَعَلَ الْإِشْعَارَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَوْ كَانَ مِنْهَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَبَانَ إشْعَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِصِيَانَةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِشْعَارَ الْمُحْدَثَ الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَيُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ إلَى الْمَوْتِ لَا مُطْلَقَ الْإِشْعَارِ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عُمْرَتِهِ وَقَدْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ لَزِمَهُ دَمٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُوجَبُ كُلِّ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ كَأَنَّهُ مُحْرِمٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِسَوْقِ الْهَدْيِ تَأْثِيرًا فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ بَعْدَ ذَلِكَ تَتَعَقَّبُ الْإِحْرَامَ.

ــ

[منحة الخالق]

الْحَجِّ تَنَفَّلَ بِطَوَافٍ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ سَقَطَ عَنْهُ سَعْيُ الْحَجِّ وَمَنْ قَيَّدَ إجْزَاءَهُ بِكَوْنِ الطَّوَافِ الْمُقَدَّمِ طَوَافَ تَحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُنْشَأَ تَوَهُّمِهِ حَمْلُهُ الطَّوَافَ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَلَا شَيْءَ يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِهِ.

(قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا) هَذَا التَّعْمِيمُ لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَسَاقَ بِمَعْنَى ثُمَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي كَلَامِهِ بِتَقْدِيرِ إبْقَاءِ الْوَاوِ عَلَى بَابِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَعْنَى أَحْرَمَ أَتَى بِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّلْبِيَةِ لَا أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ.

قُلْت وَحَيْثُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ يَصْدُقُ بِأَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ السَّوْقِ أَوْ مَعَ التَّلْبِيَةِ فَإِنَّهُ بِكُلِّ آتٍ بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ يَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُصُوصِيَّةِ كَمَا مَرَّ فَالْحَصْرُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إلَخْ مَدْفُوعٌ وَالْقَوْلُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَمْنُوعٌ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ ثُمَّ إنَّ وُجُوبَ الدَّمِ إذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَوْ حَلَقَ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ صَنَعَ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيَهُ وَيَحُجَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَحَرَهُ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ وَلَوْ رَجَعَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ الْآفَاقِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَعَلَيْهِ هَدَيَانِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَهَدْيُ الْحَلْقِ قَبْلَ الْوَقْتِ اهـ.

وَفِي شَرْحِهِ عَنْ الْمُحِيطِ فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ فَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْحَجِّ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَيَحِلَّ وَلَا يَرْجِعَ وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى عَزِيمَةِ التَّمَتُّعِ فَيَمْنَعُهُ الْهَدْيُ مِنْ الْإِحْلَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>