للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَثِيرًا مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ، وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ وَالْمِسْكِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا، وَكَفٍّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ يَكُونُ قَلِيلًا، وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الطِّيبَ إنْ كَانَ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ فَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِلطِّيبِ لَا لِلْعُضْوِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ رُبْعَ عُضْوٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَفِيمَا دُونَهُ صَدَقَةٌ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي تَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ اُعْتُبِرَ الْمِسَاحَةُ فِي النَّجَاسَةِ الرَّقِيقَةِ وَاعْتُبِرَ الْوَزْنُ فِي النَّجَاسَةِ الْكَثِيفَةِ. اهـ. مَا فِي الْمُحِيطِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا أَمَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُضْوِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ صَرِيحٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَثْرَةِ إشَارَةٌ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمُصَرَّحِ بِهِ فَيَتَّحِدُ الْقَوْلَانِ وَيَتَرَجَّحُ مَا فِي الْمُتُونِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ، وَهُوَ كَالرَّأْسِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَالْيَدِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ إذَا خَضَّبَتْ الْمَرْأَةُ كَفَّهَا بِحِنَّاءٍ يَجِبُ عَلَيْهَا دَمٌ قَالَ: وَجُعِلَ الْكَفُّ عُضْوًا كَامِلًا، وَحَقِيقَةُ التَّطَيُّبِ أَنْ يَلْزَقَ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ طِيبًا، وَمَا زَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ فِرَاشِهِ فَرَاجِعٌ إلَيْهِمَا وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْغَالِيَةِ وَالرَّيْحَانِ وَالْوَرْدِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِقَ بِثَوْبِهِ عَيْنُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ فَلِذَا صَرَّحُوا أَنَّهُ لَوْ بَخَّرَ ثَوْبَهُ بِالْبَخُورِ فَتَعَلَّقَ بِهِ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَعَلِقَ بِثِيَابِهِ رَائِحَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَأَصَابَ فَمَهُ أَوْ يَدَهُ خُلُوفٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ.

وَفِي الْمَجْمَعِ وَنُوجِبُهُ فِي النَّاسِي لَا الصَّبِيِّ وَنَعْكِسُ فِي شَمْسِهِ، وَأَكْلُ كَثِيرِهِ مُوجِبٌ لَهُ، وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِهِ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَفْهُومَ شَرْطِهِ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ الطِّيبَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَمَا لَوْ تَوَسَّدَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِالزَّعْفَرَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَاصِرٌ عَلَى الطِّيبِ الْمُلْتَزِقِ بِالْبَدَنِ، وَأَمَّا الْمُلْتَزِقُ بِالثِّيَابِ فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ الْعُضْوِ فِيهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ كَثْرَةُ الطِّيبِ وَقِلَّتُهُ، وَهُوَ مُرَجَّحٌ بِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مِسْكًا فِي طَرَفِ إزَارِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَانَ الْمُرَجِّحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ الْعُرْفَ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَمَا يَقَعُ عِنْدَ الْمُبْتَلَى.

وَمَا فِي الْمُجَرَّدِ إنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَمَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا يُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَصَدَقَةٌ يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَإِنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ) أَيْ التَّوْفِيقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ التَّوْفِيقُ الْمُعْتَبَرُ أَوْ هُوَ التَّوْفِيقُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ بِأَنَّ الطِّيبَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوْفِيقِ الثَّانِي لَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ لَفْظَ مَا فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ التَّوْفِيقَ قَالَ: وَالتَّوْفِيقُ هُوَ التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ: وَمَا زَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ فِرَاشِهِ) حَيْثُ قَالَ: بَعْدَمَا عَرَّفَ التَّطَيُّبَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ بَدَنِهِ، وَإِزَارِهِ وَفِرَاشِهِ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بَيْتًا إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَهُ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا) قَالَ: فِي اللُّبَابِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِيمَا إذَا جَنَى عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا مُبْتَدَأً أَوْ عَائِدًا ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا نَائِمًا أَوْ مُنْتَبِهًا سَكْرَانَ أَوْ صَاحِيًا مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُفِيقًا مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ جَمِيعِهَا يَجِبُ الْجَزَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا فَاحْفَظْهُ. اهـ.

قَالَ شَارِحُهُ: وَلَعَلَّهُ أَشَارَ أَيْ بِقَوْلِهِ غَالِبًا إلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا لَا شَيْءَ عَلَى الْفَاعِلِ وَيَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْجَزَاءُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْمَعِ وَنُوجِبُهُ فِي النَّاسِي إلَخْ) أَشَارَ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُضَارِعَةِ الْمُصَدَّرَةِ بِنُونِ الْجَمَاعَةِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُهُ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ وَنُوجِبُهُ أَيْ الدَّمَ فِي النَّاسِي أَيْ فِي جِنَايَةِ مَنْ جَنَى عَلَى إحْرَامِهِ نَاسِيًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا الصَّبِيِّ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّاسِي يَعْنِي لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ فِي جِنَايَتِهِ شَيْءٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ وَنَعْكِسُ الْحُكْمَ السَّابِقَ، وَهُوَ الْوَاجِبُ يَعْنِي لَا يَجِبُ فِي شَمِّهِ أَيْ شَمِّ الْمُحْرِمِ طِيبًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَأَكْلُ كَثِيرِهِ أَيْ أَكْلُ الْمُحْرِمِ كَثِيرًا مِنْ الطِّيبِ بِحَيْثُ يَلْتَزِقُ بِكُلِّ فَمِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ مُوجِبٌ لَهُ أَيْ لِلْأَكْلِ دَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الْوُجُوبَ بِاللَّامِ تَضْمِينًا فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ، وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِهِ أَيْ بِقَدْرِ الدَّمِ يَعْنِي إنْ الْتَزَقَ الطِّيبُ بِثُلُثِ فَمِهِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ تَبْلُغُ ثُلُثَ الدَّمِ، وَإِنْ الْتَزَقَ بِنِصْفِهِ فَصَدَقَةٌ تَبْلُغُ نِصْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِ الطِّيبِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَا اسْتِعْمَالٌ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ مَفْهُومَ شَرْطِهِ إلَخْ) أَيْ الشَّرْطُ الْوَاقِعُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ إنْ طَيَّبَ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فِي الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>