النُّغَيْرُ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَدِينَةِ حَرَمٌ لَكَانَ إرْسَالُهُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَلَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إمْسَاكِهِ، وَلَا يُمَازِحُهُ، وَأَجَابَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي أَنَّ لَهَا حَرَمًا أَنَّهَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ لِلْمَدِينَةِ أَمْرٌ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَخَبَرُ الْوَاحِدِ إذَا وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لَا يُقْبَلُ إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَاشْتُهِرَ نَقْلُهُ فِيمَا عَمَّ بِهِ الْبَلْوَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ) أَيْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ إذْ هُوَ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَاسْتَحَقَّ الْأَمْنَ أَرَادَ بِهِ مَا إذَا دَخَلَ بِهِ، وَهُوَ مُمْسِكٌ لَهُ بِيَدِهِ الْجَارِحَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ، وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ فَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، وَمَعَهُ صَيْدٌ فِي قَفَصِهِ لَا فِي يَدِهِ لَا يُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ، وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ حَقِيقَةً أَوْ دَخَلَ الْحَرَمِ كَذَلِكَ وَجَبَ إرْسَالُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ لَا يَجِبُ إرْسَالُهُ فِيهِمَا فَنَبَّهَ بِمَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَرَمِ هُنَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ وَنَبَّهَ بِمَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ الْآتِيَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَرَمِ، وَعَمَّمَ الدَّاخِلَ لِيَشْمَلَ الْحَلَالَ وَالْمُحْرِمَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إرْسَالِهِ تَسْيِيبَهُ؛ لِأَنَّ تَسَيُّبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ بَلْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ، وَلَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ يَسْتَرِدُّهُ، وَأَطْلَقَ فِي الصَّيْدِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْجَوَارِحِ أَوْ لَا فَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ، وَمَعَهُ بَازِي فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ الْبَيْعَ إنْ بَقِيَ، وَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ بِفَوْتِهِ لِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ الْمُسْتَحَقِّ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ رَدَّ الْبَيْعَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ، وَأَطْلَقَ فِي بَيْعِهِ فَشَمَلَ مَا إذَا بَاعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الصَّيْدِ دَاخِلَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْحِلِّ وَالْمُتَبَايِعَانِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ رَمْيِهِ مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لَهُ حِسًّا بَلْ حُكْمًا، وَلَيْسَ هُوَ بِأَبْلَغَ مِنْ أَمْرِهِ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَاهُ مِنْ الْحَرَمِ لِلِاتِّصَالِ الْحِسِّيِّ هَذَا مَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ، وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ فَبَاعَهَا أَوْ ذَبَحَهَا أَوْ أَكَلَهَا جَازَ الْبَيْعُ وَالْأَكْلُ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ؛ لِأَنَّ قِيَامَ يَدِهِ عَلَى الصَّيْدِ، وَهُمَا فِي الْحِلِّ يُفِيدُ الْمِلْكَ لَهُ فِي الصَّيْدِ كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الْيَدَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَّا أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقًّا، وَهُوَ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ لَكِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كَبَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ. اهـ.
فَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: فَإِنْ بَاعَهُ أَيْ الصَّيْدَ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ لَا مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ، وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ) أَيْ لَا يَجِبُ إطْلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُحْرِمُونَ، وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إرْسَالُهَا وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ، وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْحُجَجِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ مِنْ جِهَتِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: بَلْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ) سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ بِأَنْ يُرْسِلَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ يُودِعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ بَاعَهُ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ قَفَصِهِ أَوْ مَنْزِلِهِ، وَلَا بَيْعُ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ، وَلَا شِرَاؤُهُمَا مِنْ مُحْرِمٍ، وَلَا حَلَالٍ فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ ابْتَاعَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَذْبُوحًا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ، وَلَوْ هَلَكَ الصَّيْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ حَلَالَيْنِ فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُمَا الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَا فِي الْحِلِّ فَعَلَى الْمُحْرِمِ مِنْهُمَا، وَلَوْ وَهَبَهُ لِمُحْرِمٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَضَمَانٌ لِصَاحِبِهِ أَيْ لِفَسَادِ الْهِبَةِ، وَلَوْ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ ثَالِثٌ، وَعَلَى الْوَاهِبِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ فَبَاعَهُ فِي الْحِلِّ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ صَيْدَ الْحِلِّ الْحَرَمِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ، وَبَاعَهُ وَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا بِبَيْعِ صَيْدٍ جَازَ، وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا ثُمَّ أَحْرَمَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ أَيْضًا، وَلَوْ بَاعَ صَيْدًا لَهُ فِي الْحِلِّ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ جَازَ، وَلَكِنْ يُسَلِّمُهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ، وَلَوْ تَبَايَعَا صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ بَاعَ حَلَالَانِ صَيْدًا فَأَحْرَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ هَذَا (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ) نَقَلَ التَّصْرِيحَ بِالْفَسَادِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ إلَخْ) جَزَمَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ ضَعِيفٌ مُوَافَقَةً لِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ أَنَّ ذَبْحَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِلَحْمِهِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ سَوَاءٌ أَدَّى جَزَاءَهُ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُ هَذَا الصُّنْعَ فَإِنْ بَاعَهُ وَاسْتَعَانَ بِقِيمَتِهِ فِي جَزَائِهِ جَازَ. اهـ.
وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ يُسْتَفَادُ ضَعْفُهُ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَلَوْ ذَبَحَ هَذَا الصَّيْدَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَوْ بَعْدَهُ كُرِهَ أَكْلُهُ تَنْزِيهًا، وَلَوْ اسْتَعَانَ بِثَمَنِهِ فِي الْجَزَاءِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ بِهِ الِانْتِفَاعُ لِلْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute