رُجُوعَ لِلْآخِذِ عَلَى أَحَدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَطْلَقَ فِي الرُّجُوعِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْآخِذُ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَيَرْجِعُ الْآخِذُ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، وَلَا مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ، وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ وَاخْتِلَاؤُهُ قَطْعُهُ وَالْعَضُدُ قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْخَلَا هُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَأِ وَالشَّجَرِ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعُشْبَ، وَالْخَلَا اسْمٌ لِلرَّطْبِ وَالْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ، وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ. اهـ.
فَقَدْ أَفَادَ الْحَدِيثُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الْحَرَمِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَ عَدَمِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، قَيَّدَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِلْحَرَمِ بَلْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَبَتَ بِبَذْرٍ وَقَعَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ أَنْبَتَهُ النَّاسُ وَلِهَذَا يَحِلُّ قَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ كَوْنُهُ مُثْمِرًا مَقَامَ إنْبَاتِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ إنْبَاتَ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ لِلثَّمَرِ.
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ نَبَتَ شَجَرُ أُمِّ غَيْلَانَ بِأَرْضِ رَجُلٍ فَقَطَعَهُ آخَرُ لَزِمَهُ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِلشَّرْعِ، وَقِيمَةٌ لِلْمَالِكِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ. اهـ.
وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ الشَّجَرُ الَّذِي لَمْ يُنْبِتْهُ أَحَدٌ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمِلْكَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ إنَّمَا ذَكَرُوا مَا لَمْ يُنْبِتْهُ النَّاسُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ أَمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ سَيَسْتَثْنِيهِ، وَالثَّانِي عَلَى ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَجِفَّ أَوْ يَنْكَسِرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَقَدْ اسْتَثْنَى مَا جَفَّ أَيْ يَبِسَ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُنْكَسِرُ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَنْبَتَهُ النَّاسُ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ أَوْ لَا وَالثَّانِي إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَفِيهِ الْجَزَاءُ فَمَا فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ، وَلَا مُنْكَسِرًا، وَلَا جَافًّا، وَلَا إذْخِرًا.
وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَطَعَ شَجَرَةً فِي الْحَرَمِ فَغَرِمَ قِيمَتَهَا ثُمَّ غَرَسَهَا مَكَانَهَا ثُمَّ نَبَتَتْ ثُمَّ قَلَعَهَا ثَانِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ هُنَا كَصَيْدِ الْحَرَمِ، وَأَطْلَقَ فِي الْقَاطِعِ فَشَمَلَ الْحَلَالَ وَالْمُحْرِمَ، وَقَيَّدَ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَقْلُوعِ ضَمَانٌ ذَكَرَهُ ابْنُ بُنْدَارٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَأَشَارَ بِالضَّمَانِ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الْقَطْعِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ شَجَرٌ كَذَا قَالُوا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ بَاعَهُ جَازَ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ لِلْقَاطِعِ تُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَفِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّمَاءِ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَبِخِلَافِ الصَّيْدِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهُ. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَجَرَ الْحَرَمِ يُمْلَكُ بِأَدَاءِ
ــ
[منحة الخالق]
بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ) قَالَ فِي اللُّبَابِ، وَلَوْ حَشَّ الْحَشِيشَ فَإِنْ خَرَجَ مَكَانَهُ مِثْلُهُ سَقَطَ الضَّمَانُ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ مَكَانَهُ مِثْلُهُ بَلْ أَخْلَفَ دُونَ الْأَوَّلِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بَلْ كَانَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ، وَإِنْ جَفَّ أَصْلُهُ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ شَرْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ، وَإِغْنَاءُ أَحَدِ الْقَيْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فَإِنَّ الثَّانِيَ يَشْمَلُ النَّابِتَ بِنَفْسِهِ وَالْمُسْتَنْبَتَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ يَعْنِي قَوْلَهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ إنَّمَا هُوَ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ فَلَا شَيْءَ بِقَطْعِهِ لِمِلْكِهِ إيَّاهُ، وَلَا يَرِدُ مَا مَرَّ أَيْ عَنْ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الْمُتُونَ إنَّمَا هِيَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِنْ رَجَّحَ خِلَافَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَمَلُّكَ أَرْضَ الْحَرَمِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَوُجُوبُ الْقِيمَتَيْنِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَهَذَا مِمَّا خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاظِرِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ اسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَمْ يُنْبِتْهُ أَحَدٌ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا. اهـ.
وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا الْجَوَابِ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ النَّبِيهِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَمَّا لَوْ أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا بِتَحَقُّقِ مِلْكِ الْحَرَمِ، وَمَا يُسْتَنْبَتُ فِيهِ لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: فَمَا فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ إلَخْ) أَيْ كَأُمِّ غَيْلَانَ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا بِأَنْ يَكُونَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ أَوْ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ: كَصَيْدِ الْحَرَمِ) أَيْ فِي حَقِّ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ تَلْزَمُهُ قِيمَةٌ يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَبِذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا لَا صَوْمٌ، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَصِحُّ.