وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ لَا لِلتَّبَرُّكِ، وَلَا لِغَيْرِهِ، وَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا فَإِنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ أَتَى بِطِيبٍ مِنْ عِنْدَهُ فَمَسَحَهَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ:) (وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ) أَيْ دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ إحْرَامُ الْحَجِّ أَقْوَى مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يَسْتَتْبِعَهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِلْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَيْنِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْرُمُ بِالْآخَرِ وَالتَّفَاوُتُ إنَّمَا هُوَ فِي أَدَاءِ الْأَفْعَالِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّعَدُّدَ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ إدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى الْعِبَادَتَيْنِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ، وَأَرَادَ بِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُفْرِدِ مَا كَانَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّ الْمُفْرِدَ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِذَا تَرَكَهُ الْقَارِنُ لَا يَتَعَدَّدُ الدَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ، وَأَرَادَ بِالدَّمِ الْكَفَّارَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ دَمًا أَوْ صَدَقَةً فَإِذَا فَعَلَ الْقَارِنُ مَا يَلْزَمُ الْمُفْرِدَ بِهِ صَدَقَةٌ لَزِمَهُ صَدَقَتَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ كَفَّارَةَ جِنَايَةٍ أَوْ كَفَّارَةَ ضَرُورَةٍ فَإِذَا لَبِسَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ لِلضَّرُورَةِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، وَأَرَادَ بِالْقَارِنِ مَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِإِحْرَامَيْنِ قَارِنًا كَانَ أَوْ مُتَمَتِّعًا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَّا بِالْحَلْقِ يَوْمَ النَّحْرِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ وَجَنَى جِنَايَةً قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَعْمَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ كَالْقَارِنِ، وَأَطْلَقَ فِي لُزُومِ الدَّمَيْنِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا قَبْلَهُ، وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْقَارِنِ يَنْتَهِي بِالْوُقُوفِ أَوَّلًا فَمَنْ قَالَ بِانْتِهَائِهِ لَا يَقُولُ بِالتَّعَدُّدِ، وَمَنْ قَالَ بِبَقَائِهِ قَالَ بِهِ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ أَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ دَمَانِ، وَفِي سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ إحْرَامِ عُمْرَةِ الْقَارِنِ بَعْدَ الطَّوَافِ إلَى الْحَلْقِ فَيَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ دَمَانِ سَوَاءٌ كَانَ جِمَاعًا أَوْ قَتْلَ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُمَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِالْحَلْقِ حَتَّى فِي حَقِّ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ شَيْءٌ فَمَا فِي الْأَجْنَاسِ كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ فَفَرْعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِانْتِهَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَزِمَ الْمُفْرِدَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ، وَالْمُجَاوِزُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِيَخْرُجَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فِي كَلَامِهِمْ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ فَقَدْ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي إحْرَامِهِ، وَهُوَ تَرْكُ جُزْءٍ مِنْهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ فَتَوَهَّمَ زُفَرُ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ قَارِنًا أَنَّهُ أَدْخَلَ هَذَا النَّقْصَ عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ فَأَوْجَبَ دَمَيْنِ، وَقُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عِنْدَ دُخُولِ الْمِيقَاتِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَإِذَا جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهِمَا فَقَدْ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى مَا لَزِمَهُ، وَهُوَ أَحَدُهُمَا فَلَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ.
وَأَوْرَدَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى اقْتِصَارِهِمْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّ الْقَارِنَ إذَا أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ، وَمِنْهَا إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَقَدْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارِنَ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْأَجْنَاسِ
ــ
[منحة الخالق]
إذَا كَانَ أَخْضَرَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ إحْرَامُ الْحَجِّ أَقْوَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ تَجِبُ شَاةٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَبَدَنَةٌ فَقَالُوا فِي الْفَرْقِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ تَسَاوَيَا لَمْ يَتَفَاوَتْ (قَوْلُهُ: قَارِنًا كَانَ أَوْ مُتَمَتِّعًا سَاقَ الْهَدْيَ) قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحَلْقِ وَبَيْنَ بَقَائِهِ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَدْخُلَ إحْرَامَ الْحَجِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَ الْبَقَاءَ مِثْلُ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّحْقِيقُ السَّابِقُ، وَمَسْأَلَةُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ الْآتِيَةُ ثُمَّ رَأَيْته فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْجَزَاءَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوْ الْعُمْرَتَيْنِ عَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِمِائَةِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ رَفْضِهَا فَعَلَيْهِ مِائَةُ جَزَاءٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة لَكِنْ ذُكِرَ لِبَيَانِ قَوْلِ زُفَرَ. اهـ.
أَيْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ (قَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) أَقُولُ: أَوْصَلَ فِي اللُّبَابِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَفِي شَرْحِهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ فَرَاجِعْهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute