للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى غَيْرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَا نَعْتَمِدُهُ فِي الْجَوَابِ.

وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَاهُ فَذَكَرَ شَمْسٌ السَّرَخْسِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَيَتَنَجَّسُ كَمَا يُقَالُ هُوَ لَا يَحْمِلُ الْكَلَّ أَيْ لَا يُطِيقُهُ، وَهَذَا مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَبِي دَاوُد «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ» فَتُحْمَلُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَلَيْهَا فَمَعْنَى لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا لَمْ يَنْجُسْ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَحْسَنُ تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْقُلَّتَيْنِ حَدًّا فَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ لَكَانَ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ بَاطِلًا فَإِنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يُسَاوِي الْقُلَّتَيْنِ فِي هَذَا زَادَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ هَذَا إنْ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ شَرْطِهِ

وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ شَرْطِهِ فَيَلْزَم عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ إذَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَالسُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَيْفَمَا كَانَ وَالنَّوَوِيُّ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ حُجَّةٌ لَكِنْ قَالَ الْخَبَّازِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ يَعْنِي انْتِقَاصًا لَا ازْدِيَادًا، فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، فَهُوَ أَيْضًا يَضْعُفُ عَنْ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْقُلَّتَيْنِ قِيلَ لَهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ كَانَ يُوحِي إلَيْهِ بِأَنَّ مُجْتَهِدًا سَيَجِيءُ وَيَقُولُ بِأَنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدًّا لِذَلِكَ الْقَوْلِ اهـ.

وَهُوَ كَمَا تَرَى فِي غَايَةِ الْبُعْدِ قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَى الْقُلَّةِ، فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ عَلَى الْجَرَّةِ وَالْقِرْبَةِ وَرَأْسِ الْجَبَلِ وَمَا فَسَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مُنْقَطِعٌ لِلْجَهَالَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ بِقِلَالِ هَجَرَ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تُجْعَلَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فَإِذَا كَانَ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ كَقِرَبِ الْحِجَازِ لَمْ يَنْجُسْ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ ضَعِيفٌ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ قُلْت مَنْ صَحَّحَهُ اعْتَمَدَ بَعْضَ طُرُقِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَلْفَاظِهِ وَمَفْهُومِهَا إذْ لَيْسَ هَذَا وَظِيفَةَ الْمُحَدِّثِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْفَقِيهِ إذْ غَرَضُهُ بَعْدَ صِحَّةِ الثُّبُوتِ الْفَتْوَى وَالْعَمَلُ بِالْمَدْلُولِ، وَقَدْ بَالَغَ الْحَافِظُ عَالِمُ الْعَرَبِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي تَضْعِيفِهِ وَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ غَلِطَ فِي رَفْعِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: زَادَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ زَادَ وَجْهًا آخَرَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومَ شَرْطٍ يَلْزَمُ عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَعْنِي اعْتِبَارَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَهُوَ حَاصِلُ الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ لِكَوْنِ النَّوَوِيِّ يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ لَا فِيمَا دُونَهُمَا كَمَا هُوَ مَبْنَى اعْتِرَاضِ النَّوَوِيِّ:

الثَّانِي: فَإِنَّ مَا دُونَهُمَا يُنَجَّسُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] فَإِذَا تَنَجَّسَ مَا كَانَ قُلَّتَيْنِ فَبِالْأَوْلَى تَنَجَّسَ مَا دُونَهُمَا فَلَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ الدَّاخِلُ فِيهِ الزَّائِدُ عَلَيْهِمَا أَيْ يُفْهَمُ مِنْهُ ثُمَّ مَا زَادَ لَا يُنَجَّسُ فَلَا يُنَاسِبُ الْحَنَفِيَّ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ أَعْنِي أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ النَّجَاسَةِ إذْ لَا يَقُولُ بِعَدَمِ نَجَاسَةِ مَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ غَدِيرًا، وَهَذَا كَمَا تَرَى غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فَقَوْلُهُ هَذَا إنْ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ شَرْطِهِ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ غَيْرُ صَوَابٍ فَكَانَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ وَجْهًا مُسْتَقِلًّا وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ تَوْضِيحًا لِمَا قُلْنَا فَنَقُولُ قَالَ فِي الْفَتْحِ مُعْتَرِضًا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ شَرْطِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ إذَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَالسُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَيْفَ كَانَ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ لِيَتِمَّ الْجَوَابُ وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ إذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَ لَا إنْ زَادَ

فَإِنْ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَيْ لَا يَلْزَمَ إخْلَاءُ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ الْمُطَابِقِ كَانَ الثَّابِتُ بِهِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ إذْ لَمْ نَقُلْ بِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى قُلَّتَيْنِ شَيْئًا مَا لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ اهـ.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الْإِيرَادَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا بَلْ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِهِ هُنَا لِدَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ عَلِمْته فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ الْخَبَّازِيُّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ كَثِيرًا ثُمَّ انْتَقَصَ، وَصَارَ قُلَّتَيْنِ ضَعُفَ عَنْ حَمْلِ النَّجَاسَةِ فَيَتَنَجَّسُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْتِدْرَاكًا عَلَيْهِ نَعَمْ يَصْلُحُ اسْتِدْرَاكًا عَلَى مَا رَدَّ بِهِ صَاحِبُ الْفَتْحِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِهِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَيَكُونُ مَا بِهِ الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ نَجِسًا حَيْثُ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصِ النَّجَاسَةِ بِالْقُلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِذَلِكَ لِفَائِدَةِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ سَيَقُولُ بِعَدَمِ النَّجَاسَةِ، وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحَ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتِصَارُهُ عِبَارَةَ الْفَتْحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>