للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآفَاقِيَّ يُرِيدُ دُخُولَ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَافِيًا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَصْدِ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ الْحِلِّ الدَّاخِلِ الْمِيقَاتِ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الْبُسْتَانِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ الْإِطْلَاقُ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ ذَلِكَ صَحَّ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَإِنْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَا) ؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ كَمَا إذَا أَتَاهَا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ مَقْصُودٍ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي. فَإِنْ قُلْتُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَجَّةَ بِتَحَوُّلِ السَّنَةِ تَصِيرُ دَيْنًا، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَصِيرُ دَيْنًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ الْعُمْرَةَ يُكْرَهُ تَرْكُهَا إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِذَا أَخَّرَهَا إلَى وَقْتٍ يُكْرَهُ صَارَ كَالْمُفَوِّتِ لَهَا فَصَارَتْ دَيْنًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدِّي هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ، وَلَا غَيْرَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدٍ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ.

يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَاصِدًا مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ عَامَّةِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَنْهُ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ لِأَجْلِ مُجَاوَزَتِهِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرَةِ صَارَ دَيْنًا فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ. اهـ.

وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْحَجَّ فَشَمِلَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ وَيَلْحَقُ بِهِ الْعُمْرَةُ الْمَنْذُورَةُ فَلَوْ قَالَ: ثُمَّ أَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ كُلَّ إحْرَامٍ وَاجِبٍ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَدَاءً، وَقَضَاءً أَوْ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا جَاوَزَ الْعَبْدُ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَنْ يُحْرِمَ

ــ

[منحة الخالق]

مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ أَوْ غَيْرَهُ لِحَاجَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ.

فَاعْتَبَرَ الْإِرَادَةَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا تَرَى. اهـ.

أَقُولُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، وَإِنْ قَصَدَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ إلَخْ، وَكَذَا مَنْ يُرِدْ الْحَرَمَ فَلَا تَنْفَعُهُ إرَادَةُ دُخُولِ الْبُسْتَانِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ، وَمَنْ جَاوَزَ وَقْتَهُ يَقْصِدُ مَكَانًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَقَوْلُهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَيْ ظَهَرَ وَحَدَثَ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَمْ يَبْدُ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَقْصُودُهُ الْأَصْلِيُّ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ قَوْلُهُمْ، وَهَذِهِ حِيلَةُ الْآفَاقِيِّ إلَخْ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْإِشْكَالِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ثُمَّ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْبُسْتَانَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَلَا يَضُرُّهُ دُخُولُ الْحَرَمِ بَعْدَهُ قَصْدًا ضِمْنِيًّا أَوْ عَارِضِيًّا كَمَا إذَا قَصَدَ مَدَنِيٌّ جُدَّةَ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ أَوَّلًا وَيَكُونُ فِي خَاطِرِهِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ ثَانِيًا بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ مِنْ الْهِنْدِ بِقَصْدِ الْحَجِّ أَوَّلًا وَيَقْصِدُ دُخُولَ جُدَّةَ تَبَعًا، وَلَوْ قَصَدَ بَيْعًا وَشِرَاءً. اهـ.

وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَمِيقَاتُهُ الْحِلُّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ عِنْدَ قَصْدِ النُّسُكِ إلَّا مُحْرِمًا، وَعَلَيْهِ فَمَنْ قَصَدَ الْبُسْتَانَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا ثُمَّ أَرَادَ النُّسُكَ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الشَّيْخِ قُطْبِ الدِّينِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ) ذَلِكَ عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَصَحَّ مِنْهُ لَوْ خَرَجَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ وَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة كَذَا قَيَّدَ الْخُرُوجَ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ عَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ثُمَّ أَحْرَمَ يُرِيدُ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ الْمِيقَاتِ أَهْلُ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ بِالْحَرَمِ وَبِالْعُمْرَةِ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا فَيُجْزِئُهُ إحْرَامُهُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ. اهـ.

وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ. اهـ.

وَلَوْ خَرَجَ وَأَهَّلَ مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِمَّا جَاوَزَهُ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ يُسْقِطُ الدَّمَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَرِّرَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَلُزُومُ نُسُكٍ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ كُلٍّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ إلَخْ) ظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَنْ يُحْرِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>