للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُنُبٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مَشَايِخُ: الْعِرَاقِ إنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَرْئِيَّةِ حَتَّى لَا يَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ بِخِلَافِ الْجَارِي وَمَشَايِخُنَا مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ فَصَلُوا بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْجَارِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ يَنْتَقِلُ لِكَوْنِهِ مَائِعًا سَيَّالًا بِطَبْعِهِ فَلَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالنَّجَاسَةِ فِي الْجَانِبِ الَّذِي يَتَوَضَّأُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَرْئِيَّةِ اهـ.

وَهَكَذَا مَشَى قَاضِي خان أَنَّهُ يَتْرُكُ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ وَقُدِّرَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ بِأَرْبَعِ أَذْرُعٍ فِي أَرْبَعٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ يُحَرِّكُ الْمَاءَ بِيَدِهِ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ، فَإِنْ تَحَرَّكَتْ النَّجَاسَةُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ إنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَخْلُصْ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ تَوَضَّأَ وَشَرِبَ مِنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى حَتَّى قَالُوا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ التَّحْرِيكِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ) أَيْ الْمَاءُ الْجَارِي مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ أَنَّ هَذَا الْحَدَّ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْجَمَلُ وَالسَّفِينَةُ، فَإِنَّهُمَا يَذْهَبَانِ بِتِبْنٍ كَثِيرٍ وَمَنْشَأُ التَّوَهُّمِ أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ فِي كَلَامِهِ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُهَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنَّهُ قَالَ الْكَلَامُ مَا يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ فَقِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَرَقَةُ وَالْحَجَرُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ كَلِمَتَانِ فَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُمَا أَنَّ مَا لَيْسَتْ مَوْصُولَةً، وَإِنَّمَا هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ فَالْمَعْنَى الْجَارِي مَاءٌ بِالْمَدِّ يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَالْكَلَامُ لَفْظٌ يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجَارِي عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَصَحُّهَا أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوعِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَثَرَ النَّجِسِ فِيهِ وَرَأَى تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى عَلِمَ قَالَ الشَّاعِرُ

رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ

، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الطَّعْمَ وَالرَّائِحَةَ لَا تَعَلُّقَ لِلْبَصَرِ بِهِمَا، وَإِنَّمَا الطَّعْمُ لِلذَّوْقِ وَالرَّائِحَةُ لِلشَّمِّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) أَيْ الْأَثَرُ مَا ذُكِرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ إنْ ظَهَرَ أَثَرُهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْأَثَرِ دَلِيلُ وُجُودِ النَّجَاسَةِ، فَكُلُّ مَا تَيَقَّنَّا فِيهِ نَجَاسَةً أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ جَارِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُتُونِ أَنَّ الْجَارِيَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهَا سَوَاءٌ كَانَ النَّجَسُ جِيفَةً مَرْئِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، فَإِذَا بَالَ إنْسَانٌ فِيهِ فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْجَرْيَةِ أَثَرُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ: وَلَوْ كُسِرَتْ خَابِيَةٌ خَمْرٍ فِي الْفُرَاتِ وَرَجُلٌ يَتَوَضَّأُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَمَا لَمْ يَجِدْ فِي الْمَاءِ طَعْمَ الْخَمْرِ أَوْ رِيحَهُ أَوْ لَوْنَهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَكَذَا لَوْ اسْتَقَرَّتْ الْمَرْئِيَّةُ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ جِيفَةً إنْ ظَهَرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا جَازَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ إلَخْ) قِيلَ هُوَ عَلِيٌّ الرُّومِيُّ شَيْخُ الْمَدْرَسَةِ الْأَشْرَفِيَّةِ أَوْرَدَ الرَّدَّ فَضَحِكَ مِنْهُ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ بِقَائِلِهِ وَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْهُ بَلْ الْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ حَيْثُ أَوْرَدَهُ هُنَا (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُمَا أَنَّ مَا لَيْسَتْ مَوْصُولَةً وَإِنَّمَا هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ) أَقُولُ: النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ هِيَ الَّتِي تُقَدَّرُ بِقَوْلِك شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ فَمَا وَرَدَ عَلَى كَوْنِهَا مَوْصُولَةً يَرِدُ عَلَى كَوْنِهَا مَوْصُوفَةً بِالْأَوْلَى وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فَالْمَوْصُولُ صِفَةٌ لَهُ وَيَجُوزُ تَقْدِيرهَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً لَكِنْ مَعَ تَخْصِيصِ لَفْظِ شَيْءٍ أَيْ وَالْمَاءُ الْجَارِي شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَأَنَّ الْإِيرَادَ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ إذْ لَا يَخْطِرُ فِي بَالِ عَاقِلٍ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ) أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَارِيَ لَمْ يُذْكَرْ مَقْصُودًا بَلْ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ الْمَاءُ الدَّائِمُ وَالْجَارِي ذُكِرَ مُعْتَرِضًا فِي الْبَيْنِ فَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا بِعَشْرٍ أَيْ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ دَائِمٍ فِيهِ نَجَسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا بِعَشْرٍ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ مُعْتَرِضًا عَلَى الْعِنَايَةِ حَيْثُ فَسَّرَ يَرَى بِيُبْصِرُ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ، وَهُوَ طَعْمٌ إلَخْ يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَلْ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا أَثَرٌ بِالطَّرِيقِ الْمَوْضُوعِ لِعِلْمِهِ كَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ وَالْإِبْصَارِ اهـ.

قَالَ فِي النَّهْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِبْصَارَ بِالْبَصِيرَةِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل: ٥٤] اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَفْسِيرَ الرُّؤْيَةِ بِالْإِبْصَارِ ثُمَّ ادِّعَاءُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِبْصَارُ بِالْبَصِيرَةِ خِلَاف الظَّاهِرِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَفَسَّرَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْعِلْمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>