وَجَبَ تَكْفِيرًا لِلذَّنْبِ، وَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ لِوُجُودِ التَّحَلُّلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَوَانِهِ.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَكُلُّ دَمٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ لَمَا جَازَ لَهُ أَكْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَكُلُّ دَمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ، وَلَمْ يُتَصَدَّقُ بِهِ يُؤَدِّي إلَى إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَذْبُوحُ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْهَلَاكِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَبِالِاسْتِهْلَاكِ تَعَدَّى عَلَى حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَلَوْ بَاعَ اللَّحْمَ جَازَ بَيْعُهُ فِي النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ إلَّا أَنَّ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعِ وَاجِبِ التَّصَدُّقِ. اهـ.
وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِاخْتِصَارٍ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لُحُومِ الْهَدَايَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ أَعْطَى الْجَزَّارَ أَجْرَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا إنَّهُ إنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ، وَإِنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الثَّمَنِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ أَكَلَ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ وَبِهِ قَالَ: الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ: مَالِكٌ لَوْ أَكَلَ لُقْمَةً ضَمِنَ كُلَّهُ.
(قَوْلُهُ: وَخُصَّ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ لَا بِفَقِيرِهِ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْهَدْيِ مُوَقَّتًا بِالْمَكَانِ سَوَاءٌ كَانَ دَمَ شُكْرٍ أَوْ جِنَايَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ، وَأَمَّا تَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ فَمَخْصُوصٌ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْهَدَايَا فَلَا تَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَأَفَادَ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خِلَافًا لِلْقُدُورِيِّ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَقْتَهُ، وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ، وَأَرَادَ بِالِاخْتِصَاصِ الِاخْتِصَاصَ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا لَوْ ذَبَحَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَجْزَأَ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ، وَقَبْلَهَا لَا يُجْزِئُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا كَذَلِكَ فِي الْقَبْلِيَّةَ، وَكَوْنُهُ فِيهَا هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ ذَبَحَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ دَمٌ وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ نَحْرَ جَزُورٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ، وَلَوْ نَذَرَ بَدَنَةً مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ أَوْ نَوَى أَنْ تُنْحَرَ بِمَكَّةَ تُقَيَّدْ بِالْحَرَمِ اتِّفَاقًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ أَيْضًا الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الثَّمَنِ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ فِي الثَّانِي بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى الثَّمَنِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ قَالَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مُقْتَضَى كَوْنِهِ بَاعَ مِلْكَهُ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالثَّمَنِ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَبِالْقِيمَةِ فِيمَا يَجُوزُ وَالْجَوَازُ فِي الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ لَا الْحِلِّ فِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ مَا قَدَّمَهُ هَذَا، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِذِكْرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ مَا يُؤْكَلُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّصَدُّقِ بِهِ نَفْسِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا، وَلَوْ بَاعَ جِلْدَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا بِمُسْتَهْلَكٍ أَوْ دَرَاهِمَ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْبَدَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ سُقُوطَ النَّظَرِ فَإِنَّ الْأُضْحِيَّةَ مِلْكُهُ وَنُظِرَ فِيهَا إلَى الثَّمَنِ فَيُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُخَالَفَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهُوَ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِالْقِيمَةِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ وَبَقِيَ مُخَالَفَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَدَمُ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ لِتَخْصِيصِهِ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَا يَجُوزُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيهِمَا وَبَيَانُ التَّوْفِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُ الْفَتْحِ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا إلَخْ بِمَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَقَوْلُ الْبَدَائِعِ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ خَاصٌّ بِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ، وَقَوْلُ الْفَتْحِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ خَاصٌّ بِمَا يَجُوزُ فَانْتَفَتْ الْمُخَالَفَةُ بِوَجْهَيْهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحِلِّ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ قَالَ: فَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِنَفْسِهِ بِأَنْ بَاعَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ بِأَنْ وَهَبَهُ لِغَنِيٍّ أَوْ أَتْلَفَهُ وَضَيَّعَهُ لَمْ يَجُزْ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَيْ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. اهـ.
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِلَا النَّافِيَةِ هُنَا، وَفِيمَا قَبْلَهُ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا هُنَا كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute