للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا مِنْ الرَّجْعَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُرْمَةِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ حَرُمَ تَزَوُّجُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ وَإِنْ بَعُدَتَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِ حُرْمَةِ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْبَنَاتِ، فَقِيلَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ وَحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ فِي اللُّغَةِ الْأَصْلُ وَالْبِنْتُ الْفَرْعُ فَيَكُونُ الِاسْمُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ، وَقِيلَ بِمَجَازِهِ لَا أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ بِعُمُومِ الْمَجَازِ فَيُرَادُ بِالْأُمِّ الْأَصْلُ أَيْضًا وَبِالْبِنْتِ الْفَرْعُ فَيَدْخُلَانِ فِي عُمُومِهِ وَالْمُعَرِّفُ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ فِي النَّصِّ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِنَّ، وَقِيلَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ الْمُحَرِّمِ لِلْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ فَفِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَشِقَّاءَ مِنْهُنَّ أَوْلَادُ الْجَدَّاتِ فَتَحْرِيمُ الْجَدَّاتِ وَهُنَّ أَقْرَبُ أَوْلَى وَفِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ بَنَاتِ الْأَوْلَادِ أَقْرَبُ مِنْ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَكُلٌّ مِنْ التَّوْجِيهَاتِ صَحِيحٌ وَدَخَلَ فِي الْبِنْتِ بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ لُغَةً وَالْخِطَابُ إنَّمَا هُوَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ فَيَصِيرُ مَنْقُولًا شَرْعًا، وَكَذَا أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ أَوْ ابْنِهِ مِنْهُ بِأَنْ زَنَى أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ ابْنُهُ فَأَوْلَدُوا بِنْتًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْجَدِّ، وَصُورَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَنْ يَزْنِيَ بِبِكْرٍ وَيُمْسِكَهَا حَتَّى تَلِدَ بِنْتًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَحْثِ إنَّ الزِّنَا يُوجِبُ الْمُصَاهَرَةَ، وَدَخَلَ بِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ أَيْضًا فَلَهَا حُكْمُ الْبِنْتِ هُنَا فَلَوْ لَاعَنَ فَنَفَى الْقَاضِي نَسَبَهَا مِنْ الرَّجُلِ وَأَلْحَقَهَا بِالْأُمِّ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَيَدَّعِيَهَا فَيُثْبِتُ نَسَبَهَا مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَصْرِفِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ الَّذِي نَفَاهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْبِنْتِيَّةِ فِيمَا يُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجُوزُ لِوَلَدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ احْتِيَاطًا وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي بِنْتِ الْمُلَاعَنَةِ إنَّهَا تَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا رَبِيبَةٌ، وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا لَا لِمَا تَكَلَّفَهُ فِي الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ وَأُخْتُهُ وَبِنْتُهَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ) لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ وَدَخَلَ فِيهِ الْأَخَوَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَبَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا، وَكَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةُ جَدَّتِهِ وَخَالَاتُهَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَمَّةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَذَلِكَ، وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ لَا تَحْرُمُ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَمَّةُ الْقُرْبَى عَمَّةً لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَعَمَّةُ الْعَمَّةِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَى إذَا كَانَتْ أُخْتَ أَبِيهِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّ عَمَّتَهَا تَكُونُ أُخْتَ جَدِّهِ أَبِ الْأَبِ وَأُخْتُ أَبِ الْأَبِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْقُرْبَى عَمَّةً لِأُمٍّ فَعَمَّةُ الْعَمَّةِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَبَا الْعَمَّةِ يَكُونُ زَوْجَ أُمِّ أَبِيهِ فَعَمَّتُهَا تَكُونُ أُخْتَ زَوْجِ الْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ وَأُخْتُ زَوْجِ الْأُمِّ لَا تَحْرُمُ فَأُخْتُ زَوْجِ الْجَدَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُرْمَةِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لِظُهُورِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَيْ فِي الرَّجْعَةِ وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا إيمَاءً إلَيْهِ إذَا قَيَّدَ بِمُبَانَتِهِ؛ لِأَنَّ مُبَانَةَ غَيْرِهِ لَا يَنْكِحُهَا فِيهَا وَعُرِفَ مِنْهُ الْمَنْعُ فِي الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَوْلَى اهـ.

وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ نَفَى التَّصْرِيحَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ) أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّضَاعِ مِنْ أَنَّ الْبِنْتَ مِنْ الزِّنَا لَا تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ وَتَحْرِيمُهَا عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَالْخَالِ اهـ.

وَمُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَاكَ عَنْ التَّجْنِيسِ حَيْثُ قَالَ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الْمُرْضَعَةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَلِعَمِّ الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي وُلِدَتْ مِنْ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي حَقِّ الْمُرْضَعَةِ مِنْ الزِّنَا. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْفَتْحِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا بِصَرِيحِ النَّصِّ فَتَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: ٢٣] فَتَحْرُمُ عَلَى الْعَمِّ وَعَلَى الْخَالِ بِصَرِيحِ النَّصِّ وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ وَلَكِنْ إنْ كَانَ مَنْقُولًا فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَيَتْبَعُ الْمَنْقُولَ فِي التَّجْنِيسِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَصُورَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَزْنِيَ بِبِكْرٍ إلَخْ) قَالَ الْحَانُوتِيُّ وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهَا بِنْتَه مِنْ الزِّنَا إلَّا بِذَلِكَ إذْ لَا يُعْلَمُ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ إلَّا بِهِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي بِنْتِ الْمُلَاعَنَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُبُوتُ اللِّعَانِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدُّخُولِ بِأُمِّهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ رَبِيبَتَهُ (قَوْلُهُ، وَكَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ عَلَوْا.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ لَا تَحْرُمُ) هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا وَيَرُدُّهُ مَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَبٍ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ وَالصَّوَابُ لِأُمٍّ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْخَانِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>