للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَأَلْحَقُوا بِهَا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهُ حَتَّى لَوْ أُدْخِلْت الْقَصْعَةُ النَّجِسَةُ وَالْيَدُ النَّجِسَةُ فِيهِ لَا تَتَنَجَّسُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ وَمَعَ ذَلِكَ تَدَارَكَ اغْتِرَافَ النَّاسِ مِنْهُ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْيَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْ الْأُنْبُوبِ وَالْغُرَفُ مُتَدَارِكٌ فَهُوَ مِنْ كَالْجَارِي وَتَفْسِيرُ الْغُرَفِ أَنْ لَا يَسْكُنَ وَجْهُ الْمَاءِ فِيمَا بَيْنَ الْغَرْفَتَيْنِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ جَرَيَانِهِ لِمَدَدٍ لَهُ كَمَا فِي الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي الْمَدَدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ

وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا الْمَاءُ الْجَارِي إذَا سُدَّ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِمَا يَجْرِي فِي النَّهْرِ وَقَدْ بَقِيَ جَرْيُ الْمَاءِ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ هَذَا مَاءٌ جَارٍ اهـ فَهَذَا يَشْهَدُ لِمَا فِي السَّرَّاجِ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ أَنَّ مَنْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِي النَّهْرِ وَتَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي مَكَان وَاسْتَقَرَّ فِيهِ فَحَفَرَ رَجُلٌ آخَرُ نَهْرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِيهِ وَتَوَضَّأَ بِهِ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي مَكَان آخَرَ أَيْضًا فَفَعَلَ رَجُلٌ ثَالِثٌ كَذَلِكَ جَازَ وُضُوءُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ حَالَ جَرَيَانِهِ وَالْمَاءُ الْجَارِي لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ.

وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُضُوءِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حُفْرَتَيْنِ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَدْخُلُ فِي الْأُخْرَى فَتَوَضَّأَ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَازَ وَالْحَفِيرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْمَاءُ تَفْسُدُ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ كَمِيزَابٍ وَاسِعٍ وَمَعَهُ إدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَكِنْ لَا يَتَيَقَّنُ ذَلِكَ مَاذَا يَصْنَعُ حَكَى عَنْ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ أَبِي الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَأْمُرُ أَحَدَ رُفَقَائِهِ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ فِي طَرَفٍ مِنْ الْمِيزَابِ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَعِنْدَ الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنْ الْمِيزَابِ إنَاءٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَالْمُجْتَمِعُ طَاهِرٌ وَطَهُورٌ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ حَصَلَ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ وَالْمَاءُ الْجَارِي لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِاسْتِعْمَالِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا كَانَ لَهُ مَدَدٌ كَالْعَيْنِ وَالنَّهْرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدَدٌ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّ النَّهْرَ إذَا سُدَّ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِمَا جَرَى، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَمْ يَبْقَ لِلْمَاءِ مَدَدٌ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ اهـ. مَا ذَكَرَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَا اجْتَمَعَ فِي الْحُفَيْرَةِ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ، وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ طَهَارَتِهِ فَلَا فَلْتُحْفَظْ لِيُفَرَّعَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْتَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْفُرُوعِ.

(فُرُوعٌ) فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يَخَافُ فِيهِ قَذَرًا وَلَا يَتَيَقَّنُهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ إلَى لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَالْأَصْلُ دَلِيلٌ يُطْلِقُ الِاسْتِعْمَالَ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سَأَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَاحِبَ الْحَوْضِ أَتَرِدُهُ السِّبَاعُ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَكَذَا إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ نَجَاسَةٍ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ قَدْ يَكُونُ بِظَاهِرٍ وَقَدْ يُنْتِنُ الْمَاءُ لِلْمُكْثِ وَكَذَا الْبِئْرُ الَّذِي يُدَلِّي فِيهَا الدِّلَاءَ وَالْجِرَارَ الدَّنِسَةَ يَحْمِلُهَا الصِّغَارُ وَالْعَبِيدُ وَلَا يَعْلَمُونَ الْأَحْكَامَ وَيَمَسُّهَا الرُّسْتَاقِيُّونَ بِالْأَيْدِي الدَّنِسَةِ مَا لَمْ تُعْلَمْ يَقِينًا النَّجَاسَةُ، وَلَوْ ظَنَّ الْمَاءَ نَجِسًا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ جَازَ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ السُّؤَالِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، وَإِنْ سَأَلَ كَانَ أَحْوَطَ لِدِينِهِ وَعَلَى هَذَا الضَّيْفُ إذَا قُدِّمَ إلَيْهِ طَعَامٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَفِي فَوَائِدِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الْحَوْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يُجِيزُونَهُ، مِنْ الْحِيَاضِ فَنُرْغِمُهُمْ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا اهـ.

وَهَذَا إنَّمَا يُفِيدُ الْأَفْضَلِيَّةَ لِهَذَا الْعَارِضِ فَفِي مَكَان لَا يَتَحَقَّقُ النَّهْرُ أَفْضَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ

ــ

[منحة الخالق]

طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَتَرَكُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِالنَّجَاسَةِ وَأَفْتَوْا بِقَوْلِ زُفَرَ وَحْدَهُ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ خَمْسَةً اهـ.

كَلَامُهُ قُدِّسَ سِرُّهُ وَاَلَّذِي يُقَوِّي مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الْبُعْدِ فِي الْفَتْوَى بِطَهَارَةِ الْأَرْوَاثِ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْمُبْتَغَى مِنْ التَّوْسِعَةِ لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ وَأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَلَا شَكَّ فِي الضَّرُورَةِ فِي هَذِهِ كَمَا وَسَّعَ عَلَى أَرْبَابِ الدَّوَابِّ، فَإِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِمْ لَيْسَتْ بِأَشَدَّ مِمَّا هُنَا، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَحَلَّاتِ مِيَاهُهَا قَلِيلَةٌ وَأَنَّ حِيَاضَهَا لَا تَكُونُ مَلْأَى دَائِمًا وَالْمَاءُ يَنْقَطِعُ تَارَةً وَيَجِيءُ أُخْرَى وَفِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ يَسْتَصْحِبُ الْمَاءُ عَيْنَ الزِّبْلِ وَيَعْسُرُ الِاسْتِعْمَالُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَاءِ سِيَّمَا عَلَى النِّسَاءِ فِي بُيُوتِهِنَّ فَلَا يُمَكِّنُهُنَّ الْخُرُوجُ، وَعِنْدَ قَطْعِ الْأَنْهُرِ لِكَرْيِهَا تَشْتَدُّ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْحِيَاضَ فِي أَسْفَلِهَا عَيْنُ الزِّبْلِ غَالِبًا وَيَسْتَمِرُّ انْقِطَاعُهَا أَيْ أَيَّامًا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] .

(قَوْلُهُ: وَأَلْحَقُوا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَبِالْأَوْلَى إلْحَاقُ الْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الدُّولَابُ بِبِلَادِنَا إذْ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا وَالْغَرْفُ فِيهَا بِالْقَوَادِيسِ مُتَدَارَكٌ فَوْقَ تَدَارُكِ الْغَرْفِ مِنْ حَوْضِ الْحَمَّامِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ حُكْمَ مَائِهَا حُكْمُ الْجَارِي فَلَوْ وَقَعَ فِي حَالِ الدَّوَرَانِ فِي الْبِئْرِ وَالْحَالُ هَذِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَتَنَجَّسُ تَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>