للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفْرَادِ الْمُتْعَةِ، قَالُوا: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ: الْمُتْعَةُ وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَطْلَقَ فِي الْمُوَقَّتِ فَشَمِلَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ أَيْضًا كَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ، وَشَمِلَ الْمُدَّةَ الْمَجْهُولَةَ أَيْضًا وَقَيَّدَ بِالْمُوَقَّتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَاطِعِ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ مُؤَبَّدًا وَبَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا مُدَّةً نَوَاهَا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ، قَالُوا: وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيَقْعُدَ مَعَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الشَّرْطُ لَازِمًا عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ الْمَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلًا لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الْقَسْمِ.

(قَوْلُهُ وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَضَى بِنِكَاحِهَا بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشُّهُودَ صَدَقَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ الْحُجَّةُ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمَا مُتَيَسِّرٌ فَإِذَا ابْتَنَى الْقَضَاءَ عَلَى الْحُجَّةِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ بَاطِنًا بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ نَفَذَ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ تَزَاحُمًا فَلَا إمْكَانَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَهِيَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَكَمَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَضَى بِالطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مَعَ عِلْمِهَا حَلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَحَلَّ لِلشَّاهِدِ تَزَوُّجُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى الْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي فَإِذَا دَخَلَ بِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَقَضَى بِنِكَاحِهَا إلَى اشْتِرَاطِ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً مِنْهُ ثَلَاثًا لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَ قَوْلِهِ قَضَيْت فَشَرَطَهُ جَمَاعَةٌ لِلنَّفَاذِ بَاطِنًا عِنْدَهُ

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى صِحَّةِ قَضَائِهِ فِي الْبَاطِنِ وَمَا ثَبَتَ بِمُقْتَضَى صِحَّةِ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ بِشَرَائِطِهِ كَالْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ، وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُتُونِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي عَدَمَ النَّفَاذِ بَاطِنًا فِيمَا ذَكَرَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنِّهَايَةِ: وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ ادَّعَى فَسْخَ بَيْعِهَا كَذِبًا وَبَرْهَنَ فَقُضِيَ بِهِ حَلَّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إتْلَافُ مَالِهِ فَإِنَّهُ اُبْتُلِيَ بِأَمْرَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا وَذَلِكَ مَا يَسْلَمُ لَهُ فِيهِ دِينُهُ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِحِلِّ الْوَطْءِ عَدَمُ إثْمِهِ فَإِنَّهُ أَثِمَ بِسَبَبِ إقْدَامِهِ عَلَى الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَإِنْ كَانَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْوَطْءِ، وَأَلْحَقَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ الْعِتْقَ وَالنَّسَبَ

وَقَدْ وَقَعَتْ لَطِيفَةٌ هِيَ أَنَّ بَعْضَ الْمَغَارِبَةِ بَحَثَ مَعَ الْأَكْمَلِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ بِالطَّلَاقِ فَأَجَابَهُ الْأَكْمَلُ مَا تُرِيدُ بِالطَّلَاقِ، الطَّلَاقَ الْمَشْرُوعَ أَوْ غَيْرَهُ؟ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِهِ وَالْمَشْرُوعُ يَسْتَلْزِمُ الْمَطْلُوبَ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ عُمَرُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ جَوَابٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ لِيَكُونَ طَرِيقًا إلَى قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ صَحِيحًا وَتَعَقَّبَهُمَا تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَذْكُورَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ إذْ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ فَلَا يُمْكِنُهَا التَّخَلُّصُ مِنْهُ فَلَمْ يَكُنْ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ سَبَبٌ

ــ

[منحة الخالق]

يُؤَيِّدُ هَذَا التَّحْقِيقَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك شَهْرًا فَرَضِيَتْ عِنْدَنَا يَكُونُ مُتْعَةً وَلَا يَكُونُ نِكَاحًا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ.

(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ) ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالْعِتْقِ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْعِتْقَ فَرْعٌ عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعِتْقِ وَإِلَّا فَلَا يُجْدِيهِ نَفْعًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَا لِمَا فِي الْفَتْحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>