بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَفِي وَجْهٍ الْوَكِيلُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ قَوْلًا لَا فِعْلًا بِأَنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا مَلَكَ الْوَكِيلُ نَقْضَهُ قَوْلًا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهِ وَلَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ فِعْلًا حَتَّى لَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا لَا يُنْقَضُ نِكَاحُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِي نِكَاحِ الثَّانِيَةِ وَفِي وَجْهٍ يَمْلِكُ الْفَسْخَ فِعْلًا لَا قَوْلًا نَحْوَ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ نِكَاحًا بَاشَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَمْلِكُ نَقْضَ هَذَا النِّكَاحِ قَوْلًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فُضُولِيًّا حِينَ عَقَدَهُ وَيَمْلِكُ نَقْضَهُ فِعْلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ أُخْتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي. اهـ.
فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ قَوْلًا وَلَا فِعْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا إلَّا إذَا صَارَ وَكِيلًا بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ فِعْلًا لِضَرُورَةِ امْتِثَالِ مَا وُكِّلَ فِيهِ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الْوَكِيلُ فِي الْمَوْقُوفِ الْفَسْخَ مَعَ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِتَنْجِيزِ مُرَادِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ بِالْمَوْقُوفِ فَلِلْوَكِيلِ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفَسْخُ فِعْلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ بِتَزَوُّجِهَا مُعَيَّنَةً فَحَيْثُ زَوَّجَهَا لَهُ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجًا آخَرَ، وَلِذَا كَانَ فُضُولِيًّا فِي الثَّانِي وَتَفَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ زَوَّجَ فُضُولِيٌّ رَجُلًا خَمْسَ نِسْوَةٍ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَيُفَارِقَ الْأُخْرَى بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ خَمْسَ نِسْوَةٍ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى نِكَاحِ الْخَامِسَةِ يَتَضَمَّنُ نَقْضَ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ دَلَالَةً بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْعَقْدَ النَّافِذَ مِنْ جَانِبٍ إذَا طَرَأَ عَلَى غَيْرِ نَافِذٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَرْفَعُهُ وَلَوْ طَرَأَ مَوْقُوفٌ عَلَى نَافِذٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لَا يَرْفَعُهُ وَلَوْ طَرَأَ نَافِذٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى نَافِذٍ مِنْ جَانِبِهِ يَرْفَعُهُ بَيَانُهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِأَلْفِ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ عَلَى خَمْسِينَ دِينَارًا بِإِذْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا بِأَلْفٍ يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ إيَّاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِغَيْرِ إذْنِهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِخَمْسِينَ بِغَيْرِ إذْنِهَا يَبْقَى الْأَوَّلُ فَإِنْ أَجَازَتْهُ جَازَ وَيَبْطُلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ نَافِذًا مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إجَازَةَ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ صَحِيحَةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْعَاقِدِ الْفُضُولِيِّ بِخِلَافِ إجَازَةِ بَيْعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَعْقُودِ لَهُ وَأَحَدِ الْعَاقِدِينَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قِيَامُ أَرْبَعَةٍ مَعَ الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَرْضًا.
(قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ) أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ الْإِيجَابُ عَلَى قَبُولِ مَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ بَلْ يَبْطُلُ وَلَا يَلْحَقُهُ إجَازَةٌ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعُقُود فَقَوْلُهُ نَاكِحٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ مَا يَقُومُ بِالْفُضُولِيِّ عَقْدٌ تَامٌّ فَيَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ أَوْ شَطْرَهُ فَلَا يُتَوَقَّفُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ شَطْرٌ فَيَبْطُلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَقْدٌ تَامٌّ فَيُتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَنْفُذُ فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا يَتَوَقَّفُ فَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ شَطْرُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَطْرُ حَالَةِ الْحَضْرَةِ فَكَذَا عِنْدَ الْغَيْبَةِ وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ وَمَا يَجْرِي بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ عَقْدٌ تَامٌّ فَكَذَا الْخُلْعُ وَاخْتَارَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ حَتَّى يَلْزَمَ فَيَتِمَّ بِهِ فَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ سِتُّ صُوَرٍ ثَلَاثَةٌ اتِّفَاقِيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ الْمَرْأَةِ تَزَوَّجْت فُلَانًا أَوْ الْفُضُولِيِّ زَوَّجْت فُلَانًا مِنْ فُلَانَةَ
وَقِيلَ آخَرُ فِي الثَّلَاثِ فَالْعَقْدُ مُتَوَقِّفٌ لِحُصُولِ الشَّطْرَيْنِ وَثَلَاثَةٌ خِلَافِيَّةٌ هِيَ هَذِهِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ فَلَا تَقُومُ عِبَارَةُ الْفُضُولِيِّ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلَامَيْنِ حَتَّى لَوْ قَالَ زَوَّجْت فُلَانًا وَقَبِلْت عَنْهُ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا ذُكِرَ فِي الْحَوَاشِي لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي نَقْلِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لِنَفْسِهِ فَقَطْ) فِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْعَاقِدُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قِيَامُ أَرْبَعَةٍ) هِيَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ لَهُ (قَوْلُهُ فَقَوْلُهُ نَاكِحٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَلْ فِي الْعَقْدِ لِلْجِنْسِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لِلْعَهْدِ أَيْ عَقْدَ النِّكَاحِ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute