الشَّرْطَانِ اتِّفَاقًا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْغَايَةِ بِأَنَّ الْخَطَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دَخَلَ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا وَلَا مُخَاطَرَةَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ وَجَهَالَتُهُ لَا تُوجِبُ خَطَرًا وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ هُنَا وَلَكِنْ جُهِلَ الْحَالُ وَارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
ثُمَّ قَالَ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مَسْأَلَةُ الْقَبِيحَةِ وَالْجَمِيلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فَقَدْ نُصَّ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا اهـ.
وَقَدْ أَخَذَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ الْمُجْتَبَى، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْكُلِّ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الْجَهَالَةَ قَوِيَّةٌ فِي الْحُرِّيَّةِ أَصَالَةً وَعَدَمَهَا وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْرًا مُشَاهَدًا بَلْ إذَا وَقَعَ فِيهِ التَّنَازُعُ احْتَاجَ إلَى الْإِثْبَاتِ فَكَانَ فِيهِ مُخَاطَرَةٌ مَعْنًى بِخِلَافِ الْجَمَالِ وَالْقُبْحِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فِيهَا فَجَهَالَتُهُ يَسِيرَةٌ لِزَوَالِهَا بِلَا مَشَقَّةٍ فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ فَلِذَا صَحَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّسْمِيَتَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الدَّبُوسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ، وَكَذَا ذَكَرَ الِاتِّفَاقَ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهِ وَارْتَضَاهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ مِنْ الْخِلَافِ ضَعِيفٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَلِيلَ الْإِمَامِ الْمَذْكُورَ هُنَا لَا يَشْمَلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنْ طَلَّقَ ضَرَّتَهَا وَنَحْوَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ إنْ لَمْ يُوفِ بِمَا شُرِطَ لَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَقُمْ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ لَا يُزَادُ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ لِرِضَاهَا بِهَا وَلَا يَنْقُصُ عَنْ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى لِرِضَاهُ بِهَا، وَأَشَارَ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوَّلًا سَوَاءٌ وَفَى بِشَرْطِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ جُعِلَ مَهْرُ الْمِثْلِ حُكْمًا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قِيمَةً؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَهَا لِأَقَلَّ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى، وَقَدْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ وَلَهُ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ وَالْعُدُولُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَقَدْ فَسَدَتْ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ وَرَجَحَ قَوْلُهُمَا فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ لُزُومَ الْمُوجَبِ الْأَصْلِيِّ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَتِهِ مُمْكِنَةٌ فَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَصْلٌ عِنْدَهُ وَالْمُسَمَّى خَلْفٌ عَنْهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْعَكْسِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُمْ لَا مَحَلَّ لَهُ وَمَعْنَى التَّحْكِيمِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ وَافَقَ أَحَدَهُمَا وَجَبَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْأَقَلِّ فَلَهَا الْأَقَلُّ لِرِضَاهُ بِهِ
وَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فَلَهَا الْأَكْثَرُ فَقَطْ لِرِضَاهَا بِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ أَوْكَسَهُمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الْأَوْكَسِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ عِتْقُهَا فِي الْأَوْكَسِ وَإِنْ أَعْتَقَتْ الْأَرْفَعَ وَكَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ عِتْقُهَا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُهَا فِي الْأَرْفَعِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَجُوزُ فِي الْأَوْكَسِ، وَأَشَارَ بِالتَّحْكِيمِ إلَى اخْتِلَافِ الشَّيْئَيْنِ فَلَوْ كَانَا سَوَاءً فَلَا تَحْكِيمَ وَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَتْ وَلَا فَرْقَ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ إلَخْ) يَرِدُ بَعْدَ هَذَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَإِنَّهَا خِلَافِيَّةٌ أَيْضًا مَعَ أَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي الصِّحَّةُ وَكَوَّنَ الْجَهَالَةِ يَسِيرَةً خِلَافَ الْأَصْلِ كَذَا فِي النَّهْرِ وَفِيهِ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى أَوْ غَائِبَةٌ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا هَذِهِ وَلَا شَكَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقُبْحِ وَالْجَمَالِ فَإِنَّ الثَّانِيَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ كَوْنِ لَهُ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ فِيهِ يَسِيرَةً مَمْنُوعٌ.
(قَوْلُهُ وَرُجِّحَ قَوْلُهُمَا فِي التَّحْرِيرِ) كِتَابَةُ هَذَا هُنَا عَقِبَ قَوْلِهِ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ أَحْسَنُ مِمَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ كِتَابَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ التَّرَدُّدِ) حَيْثُ قَالَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ تَخْرِيجًا فَلَيْسَ بِلَازِمِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ ثُمَّ يَخْتَلِفُوا فِي فَسَادِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ فَعِنْدَهُ فَسَدَتْ لِإِدْخَالٍ أَوْ فَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُمَا لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّ الْمُرَدَّدَ بَيْنَهُمَا لَمَّا تَفَاوَتَ وَرَضِيَتْ هِيَ بِأَيِّهِمَا كَانَ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْأَوْكَسِ فَتَعَيَّنَ دُونَ الْأَرْفَعِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَعَيُّنُهُ عَلَيْهِ مَعَ رِضَاهَا بِالْأَوْكَسِ وَإِذَا تَعَيَّنَ مَالُهَا لَمْ يَصِرْ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهِ حُكْمِ عَقْدٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ صَحِيحَةٌ. اهـ.
وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ فِيهِ فَسَادُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمُهُ، ثُمَّ قَالَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ لَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّوَاعِي قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ. وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُهُ مُوجِبًا أَصْلِيًّا وَهُوَ يُعَيِّنُ أَنَّ مَا مَرَّ تَخْرِيجٌ فَقَطْ وَإِلَّا لَزِمَ مُخَالَفَةُ أَصْلِهِ السَّابِقِ فَتَدَبَّرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute