للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أؤل من صنّف وبوّب الرَّبيع بن صُبيح (١) بالبصرة. ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه في الأجزاء والكتب إلى زمن الإمامين البخاري ومسلم فدوّنا كتابيهما في الصحيح ثم ازداد انتشار هذا النوع من التصنيف إلى أن انقرض ذلك العصر عن جماعة من الأئمة، قد جمعوا وألّفوا مثل الترمذي وأبي داود والنسائي وغيرهم فكان ذلك العصر كأنه خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم وإليه المنتهى. ثم نقص الطلب وقلَّ الحرص وكذلك كل نوع من أنواع العلوم والصنائع والدول وغيرها فإنه يبتدئ قليلاً قليلاً ولا يزال ينمي (٢) ويزيد إلى أن يصل إلى غاية هي منتهاه ثم يعود. وكأنّ غاية هذا العلم انتهت إلى البخاري ومسلم ثم نزل وتقاصر إلى زماننا هذا وسيزداد تقاصراً. انتهى

وقد نقل الإمام شمس الدين محمد بن الجزري (٣) هذه بتغيير يسير في كتابه المسمى بـ"تذكرة العالم" ثم قال:

ولقد اجتمع في مجلس إملاء يزيد بن هرون (٤) ببغداد [ما] نيّف عن ثلاثة آلاف [كاتب يحمل كل منهم] محبرة يكتبون الحديث.

وكان يحضر مجلس أبي مسلم الكَجّي (٥) بالبصرة للإملاء أربعون ألف محبرة خارجاً عمن يحضر لغير الاستملاء. يبلّغهم عنه المستملون فيكتبون بواسطة المستملي منه.

قال السَّمْعَاني في ترجمة القاضي أبي عبد الله بن المحاملي (٦): كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل، وذكر في ترجمة أبي محمد عبد الله بن محمد الحارثي الكلاباذي الحنفي (٧) أنه كان من أعلام الأئمة بما وراء النهر، ولما أملى "مناقب أبي حنيفة" كان يستملي عليه أربعمائة مستملي، ومات سنة ٣٤٠.

وانتهت هذه العزيمة إلى أواخر الثلثمائة ثم نزلت إليهم وتقاصر العزم إلى بُعيد الستمائة فضعف شأنه وقلّ أعوانه. وفي هذا الوقت قال الصَّغَاني (٨): في أول "مشارقه" ما قال وبكى واستبكى، لذهاب هذا العلم ولم يكن آل إلى ما آل فإنه كان إذ ذاك بما وراء النهر وسائر بلاد


(١) ورد ذكره في القسم الأول برقم ١٧١٩.
(٢) جاء في "القاموس المحيط" ما نصه: "نما ينمو نمواً" و"نمى ينمي نمياً ونماءاً" مرة بالواو، ومرة بالياء.
(٣) تقدمت ترجمته في القسم الأول برقم ٤٥٤٩.
(٤) تقدمت ترجمته في القسم الأول برقم ٥٣٩٠.
(٥) تقدمت ترجمته في القسم الأول برقم ٣٩.
(٦) انظر "الأنساب" (١١/ ١٣٥).
(٧) سبقت ترجمته في القسم الأول برقم ٢٣٨٩.
(٨) واسمه (الحسن بن محمد بن حسن) واسم كتابه كاملاً "مشارق الأنوار النبوية على صحاح الآثار المصطفوية" وقد تقدمت ترجمته في القسم الأول برقم (١٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>