للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} الآية (١)، وقال: الكلام على هذه الآية الكريمة كما يجيء لا كما يجب [و] أبان فيه عن يد طولى وتمكن زائد في العلوم، بحيث أَقَرَّ الحاضرون بسَعَة علمه وأذعنوا له، وبحث فيه مع صاحب "الهداية" وشرع ابن حجر يصف علمه وتفننه، فقال البساطي: دعوه يتكلم ونتلذّذ بمقاله فإنه يقول ما لا نظير له. انتهى.

وذكر تقي الدين أن المجد عبد الرحمن بن عمر ابن الصاحب (٢) [كان] فائقاً في عصره. ولما بنى الملك الظاهر مدرسته بمصر رتّبوا مجد الدين لتدريس الحنفية، ولما حضر السلطان المدرسة كان هو بعد لم يأت، فطلبه السلطان فقيل: حتى يقضي ورد الضحى، وكان له أوراد لا يقطعها، ثم جاء وقد تكامل الناس، فقاموا كلهم له، ولم يقم في ذلك المجلس هو لأحد. ولما قدم على قضاء الشام، قدم بزيِّ الوزراء ولم يعبأ بالمنصب.

وفي "طبقات النحاة" للسيوطي (٣) أن الشيخ أبا عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد المعروف بغُلام ثعلب (٤) كان علاّمة في اللغة، ولسعَة حفظه نسب إلى الكذب. وكان يؤدّب ولد القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، فأملى عليه يوماً نحو ثلاثين مسألة في اللغة، وذكر غريبها وختمها ببيتين من الشعر. وحضر ابن دُريد وابن الأنباري (٥) وابن مِقْسَم (٦) عند القاضي، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شيئاً، وأنكروا الشعر فقال لهم القاضي: ما تقولون فيها؟ فقال ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف "مشكل القرآن" ولا أقول شيئاً. وقال ابن مِقْسَم: أنا مشغول بالقراءات. وقال ابن دُريد: هذه المسائل من مصنوعات أبي عمر، ولا أصل لها في اللغة. فبلغه ذلك، فاجتمع بالقاضي وسأله إحضار دواوين من الشعر أسماهم، فأحضر فلم يزل أبو عمر يخرج كل مسألة ويخرج لها شاهداً حتى استوفاها، وأظهر كتاباً كتب ثعلب على ظهره البيتين كما قال، فبلغ ابن دُريد ذلك، فما ذكره بلفظه حتى مات.

ذكر السيوطي في "النحاة" أن المولى الفناري أَقرأ العضد نحو العشرين مرّة، يعني "شرح مختصر ابن الحاجب".

وذكر ابن السُّبكي في "الكبرى" أن القاضي البَيْضَاوي لما صُرف عن قضاء شيراز ورحل إلى تبريز، صادف دخوله إليها مجلس درس قد عقد بها لبعض الفضلاء، فجلس في أخريات القوم بحيث لم يعلم به أحد، فذكر المدرِّس نكتةً زعم أن أحداً من الحاضرين لا يقدر على


(١) سورة البقرة: الآية (٢٦٩).
(٢) سبقت ترجمته في القسم الأول برقم ٢٥٢٤.
(٣) انظر "بغية الوعاة في طبقات النحاة" (١/ ١٦٤ - ١٦٥) وما بين الحاصرتين تكملة منه.
(٤) سبقت ترجمته في القسم الأول برقم ٤٣٠٧.
(٥) سبقت ترجمته في القسم الأول برقم فى ٤٤٨١.
(٦) سبقت ترجمته في القسم الأول برقم ٤٠٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>