للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ـ وقوله -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [سورة البقرة: ٥٩]، "القاعدة أن ترتيب الحكم على المشتق يدل على أن مصدره علة له، كقوله: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (٥: ٣٨)، فالسرقة علة للقطع، والموصول مع صلته هنا كذلك" (١).

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [سورة البقرة: ١٥٨]، "وإن في طي (ولأتم نعمتي عليكم) (٢: ١٥٠) بشارة بهذا الاستيلاء، مفيدة للأمل والرجاء، وقد علم الله المؤمنين بعد هذه البشارة ما يستعينون به على الوصول إليها هي وسائر مقاصد الدين من الصبر والصلاة، وأشعرهم بما يلاقون في سبيل الحق من المصائب والشدائد، فكان من المناسب بعد هذا أن يذكر شيئا يؤكد تلك البشارة ويقوي ذلك الأمل، فذكر شعيرة من شعائر الحج هي السعي بين الصفا والمروة فكان ذكرها تصريحا ضمنيا بأن سيأخذون مكة ويقيمون مناسك إبراهيم فيها، وتتم بذلك لهم النعمة والهداية، وهو قوله عز وجل: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)، فهذه الآية ليست منقطعة عن السياق السابق لإفادة حكم جديد لا علاقة له بما قبله كما توهم، بل هي من تتمة الموضوع ومرتبطة به أشد الارتباط، من حيث هي تأكيد للبشارة" (٢).

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [سورة البقرة: ٢٠٧]، "فالقرآن يصور المؤمنين عاملين بمقتضى الإيمان، ثم بين أنه ما شرع هذا إلا رأفة بعباده، فقال: (والله رءوف بالعباد)، إذ يرفع همم بعضهم ويعلي نفوسهم حتى يبذلوها في سبيله لدفع الشر والفساد عن عباده وتقرير الحق والعدل والخير فيهم، ولولا ذلك لغلب شر أولئك المفسدين في الأرض حتى لا يبقى فيها صلاح (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) (٢: ٢٥١)، وإن هذا يؤيد ما قلناه في إزالة وهم من يتوهم أن بيع النفس يؤذن بترك الدنيا، وألا يمتع المؤمن نفسه بلذاتها، ولو كان كذلك - وهو من تكليف ما لا يطاق - لما قرنه الله تعالى باسمه الرءوف الدال على سعة رحمته بعباده، فيالله ما أعجب بلاغة كلام الله، وما أعظم خذلان المعرضين عن هداه، ومن الدقة الغريبة في هذا التعبير الموجز بيان حقيقة عظيمة وهي أن وجود هذه الأمة في الناس رحمة عامة للعباد لا خاصة بهم " (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٢٧٠).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٣٥)
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٢٠٤).

<<  <   >  >>