للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا أن الشيخ محمد رشيد كانت له بداية في التصوف بحسب البيئة التي نشأ فيها وتأثر بعلمائها، فقد كان رشيد رضا قد بدأ التصوف حين كان يُقرئه شيخه حسين الجسر بعض كتب الصوفية ومنها بعض الفصول من الفتوحات المكية، ودرس على شيخه أبي المحاسن القاوقجي، ونال الإجازة في كتاب دلائل الخيرات، ثم بان له أن هذا الكتاب أغلبه أكاذيب على النبي -صلى الله عليه وسلم- فتركه، وأقبل على قراءة أذكار وأوراد في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثابتة.

فسلك الطريقة النقشبندية (١)، ويذكر الشيخ محمد رشيد -رحمه الله- في هذا المجال أن الذي حبب إليه التصوف هو كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، وقطع أشواطاً كبيرة فيها، ثم يقول: "ورأيت في أثناء ذلك كثيراً من الأمور الروحية الخارقة للعادة كنت أتأول الكثير منها وعجزت عن تأويل بعضها" (٢)، ثم يقول: "ولكن هذه الثمرات الذوقية غير الطبيعية لا تدل على أن جميع وسائلها مشروعة أو تبيح ما كان منها بدعة، كما حققت ذلك بعد" (٣).

وقد عبر عن هذه التجربة الصوفية بعد سنوات طويلة جداً في التصوف بقوله: " إنني قد سلكت الطريقة النقشبندية، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر باطنه من الدرر، وما تقذف أمواجه من الجيف، ثم انتهيت إلى مذهب السلف الصالحين، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين" (٤).

ثم أنكر على أهل هذه الطرق، فناصبوه العداء، حتى وقعت بين يديه صحيفة العروة الوثقى التي كان يصدرها الأستاذان جمال الدين الأفغاني (٥)، والشيخ محمد عبده (٦)، فأعجب بها وأقبل على قراءتها فكانت بمثابة تغيير جذري في طريقة تفكيره وأهدافه في الحياة، فقال: "هي التي وجهت نفسي للسعي في الإصلاح العام بعد أن كنت لا أفكر إلا فيما بين يدي، وأرى كل الواجب علي أن أظهر في دروسي العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة، وأنا لا أعلم سبب الفساد الذي فعل في العقائد والأخلاق ما فعل، ودفع المسلمين إلى مزالق الزلل، حتى هدتني العروة الوثقى، إلى المناشئ والعِلل" (٧).


(١) النقشبندية: هي إحدى الطرق الصوفية نسبة إلى الشيخ محمد بهاء الدين شاه نقشبند، انظر: عبد الرحمن دمشقية: "النقشبندية (ص: ٢٩) ط: دار طيبة، الرياض، الثالثة ١٤٠٩ هـ/ ١٩٨٨ م. منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة (ص: ٥٥٦).
(٢) مجلة المنار (٣٣/ ٣٥٣).
(٣) مجلة المنار (٣٣/ ٣٥٣).
(٤) مجلة المنار (١١/ ٥٠٤).
(٥) محمد بن صفدر الحسيني، جمال الدين، ولد في أسعد آباد (بأفغانستان) ١٢٥٤ هـ. ونشأ بكابل، وتلقى العلوم العقلية والنقلية، وبرع في الرياضيات، سافر إلى الهند ثم قصد مصر، وتتلمذ على يده الشيخ محمد عبده، وكثيرون، ونفته الحكومة المصرية (سنة ١٢٩٦ هـ) فرحل إلى حيدر آباد، ثم إلى باريس، وأنشأ فيها مع الشيخ محمد عبده جريدة (العروة الوثقى) توفي ١٣١٥ هـ، له (تاريخ الأفغان - ط) و (رسالة الرد على الدهريين - ط)، الأعلام للزركلي (٦/ ١٦٨ - ١٦٩) معجم المؤلفين (٣/ ١٥٤).
(٦) محمد عبده بن حسن خير الله، من آل التركماني، فقيه، مفسر، متكلم، حكيم، أديب، لغوي، كاتب، صحافي سياسي، ولد في شنيرا من قرى الغربية بمصر في أواخر ١٢٦٦ هـ، ونشأ فيها، وعمل في التعليم، وتولى تحرير الوقائع المصرية، وأصدر مع جمال الدين الافغاني جريدة العروة الوثقى، وعاد إلى بيروت فاشتغل بالتدريس والتأليف، وتولى منصب القضاء، فمفتيا للديار المصرية وتوفي فيها ١٣٢٣ هـ، له (تفسير القرآن الكريم - ط) لم يتمه، و (رسالة التوحيد - ط) و (شرح نهج البلاغة - ط) وغيرها، معجم المؤلفين (١٠/ ٢٧٢ - ٢٧٣)، الأعلام للزركلي (٦/ ٢٥٢).
(٧) انظر: مجلة المنار (صفحات التعريف)، رشيد رضا الإمام المجاهد، أحمد العدوي، ٧٧.

<<  <   >  >>