للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك ما قال عند آخر آية فسرها الشيخ محمد عبده: "هذه الآيات كانت آخر ما فسره شيخنا الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في الجامع الأزهر، فرضي الله عنه وجزاه عن نفسه وعنا خير الجزاء، وسنستمر في التفسير على هذه الطريقة التي اقتبسناها منه إن شاء الله تعالى، وإن كنا محرومين في تفسير سائر القرآن من الفوائد والحكم التي كانت تهبط من الفيض الإلهي على عقله المنير إلا في الجزء الثلاثين، فإنه كتب له تفسيرا مختصرا مفيدا، وكان فراغه من تفسير هذه الآية في منتصف المحرم سنة ١٣٢٣ هـ، وقد توفي شهر جمادى الأولى منها رحمه الله تعالى ونفعنا به، وكتبت تفسير هذه الآيات في مدينة بمبى أو (بومباي) من ثغور الهند في غرة ربيع الآخر سنة ١٣٣٠ هـ والله أسأل أن يوفقني لإتمام هذا التفسير، إنه على ما يشاء قدير" (١).

ولكنَّا نجد الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- يحيد عن هذا المنهج بعض الشيء، وذلك بعد وفاة شيخه، واستقلاله بالعمل، ويُحدِّثنا هو بذلك فيقول: "وإنني لما استقللت بالعمل بعد وفاته، خالفت منهجه - رحمه الله تعالى - بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السُّنَّة الصحيحة، سواء أكان تفسيراً لها، أو في حكمها، وفى تحقيق بعض المفردات، أو الجمل اللُّغوية، والمسائل الخلافية بين العلماء، وفى الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة، وفى بعض الاستطرادات لتحقيق مسائل تشتد حاجة المسلمين إلى تحقيقها، بما يثبتهم بهداية دينهم في هذا العصر، أو يقوى حجتهم على خصومه من الكفار والمبتدعة، أو يحل بعض المشكلات التي أعيا حلها، بما يطمئن به القلب، وتسكن إليه النفس" (٢).

ولعل من أسباب توسعه في المسائل الاجتماعية ما أتاحته له الصحافة من معرفة بالناس على اختلاف منازعهم ومشاربهم، وفيهم المتدين، والملحد والكافر، فأراد أن يتمشى بكتابته مع الجميع، فيثبت المتدين على دينه، ويرد الملحد عن إلحاده، ويكشف عن محاسن الإسلام، لعل الكافر أن يثوب إلى رشده ويرجع عن كفره (٣).

كان الشيخ عبده يطلع على ما سينشر، بعد التصفيف في المطبعة وقبل الإخراج فربما ينقح فيه بزيادة قليلة، أو حذف كلمة أو كلمات، على أن صاحب المنار لم يكن يتحرى حكاية أو تلخيصاً لما يقوله الأستاذ الإمام، بل كان يكتب ما يجده في نفسه من إدراك لمعنى الآية بما ثار في فكره، أو انساق إليه علمه مما يوضح معنى الآية، ويحتفل لإيراد ما اختص ببيانه الأستاذ من المعاني المبتكرة المستجدة، فيعزو ذلك إليه صراحة.


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٣٥٩ - ٣٦٠).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ١٦).
(٣) انظر: التفسير والمفسرون، د. محمد حسين الذهبى (٥/ ٣٩) بتصرف.

<<  <   >  >>