للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد صرح رشيد في مواطن أخرى بأنه بدأ تنقيحا وإضافة على التفسير بعد نشره في المجلة مثل أن يقول: "وبعد أن طبع تفسير تلك الآية في المنار نقحناه، وزدنا فيه فوائد أثبتناها في نسخة التفسير التي تطبع على حدتها" (١)، ولو أن رشيدا كان في هذه التغييرات يسير على نظام محدد واضح لهان الخطب ولكنه تارة يضع الإضافة في وسط الكلام، وتارة يضعها في الهامش وتارة يجعلها في آخر الموضوع وتارة يجعلها في نهاية الجزء مع استدراكات أخرى … إلخ (٢).

سابعا: عدم الثبات على طريقة في التأليف: فقد تقلب الشيخ في كتابة التفسير إلى أربعة ألوان؛ فهو أولا كان يختصر، ثم أخذ يزيد ثم أخذ يطول ثم قام بالاختصار لهذا التطويل، كل هذا يدل على عدم استقرار رشيد على طريقة واحدة في تأليفه لتفسير المنار، وهو أمر يفقد هذا التفسير شيئا من مكانته وقدره (٣).

ثامنا: الشدة في الدعوة إلى رأيه والتمسك به، فقد عدّ بعض الباحثين (٤) من مآخذ رشيد رضا في تفسير المنار تعصبه لرأيه في استنباط الأحكام، وإن خالف جمهور الفقهاء، ومع إبداء رأيه يشتد في الحملة العنيفة على المخالفين له، ويضربون مثالا واحدا على ذلك بما قرره في تفسيره لآية التيمم في سورة النساء من أن المسافر يجوز له التيمم ولو كان الماء بين يديه ولا علة تمنعه من استعماله إلا كونه مسافرا، وهو رأي مخالف لجمهور فقهاء المسلمين، ويشن حملة على مخالفيه، فيقول: "نعم إن الآية واضحة المعنى كاملة البلاغة على الوجه الذي قررتم، ولكنها تقتضي عليه أن التيمم في السفر جائز، ولو مع وجود الماء، وهذا مخالف للمذاهب المعروفة عندنا" (٥)، ثم يقول: "ألا إن من أعجب العجب غفلة جماهير الفقهاء عن هذه الرخصة الصريحة في عبارة القرآن" (٦). …

تاسعا: نقله عن أهل الكتاب (٧)، ونقله عن بعض العلماء الغربيين، مثل دارون (٨)، وعقده فصل في مباحث تتعلق بمسألة الصلب (٩). ومن ذلك قوله: "وأقول: إن استقامة بعض أهل الكتاب على الحق من دينهم لا ينافي ما حققناه في تفسير التوراة والإنجيل في أول السورة من ضياع بعض كتبهم وتحريف بعضهم لما في أيديهم منها، فإن من يعرف من المسلمين بعض السنة ويحفظ بعض الأحاديث النبوية فيعمل بما علم مستمسكا به مخلصا فيه، يقال: إنه قائم بالسنة السنية عامل بالحديث النبوي، وإن كان بعض الأحاديث قد نقل بالمعنى وبعضها ضعيف أو موضوع وبعض الناس كالحشوية حرفوها بل حرفوا بعض آيات القرآن تحريفا معنويا ليدعموا بها مذاهبهم وآراءهم، أما قوله تعالى: يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون فمعناه على القول بأن المراد بهم من دخل في الإسلام ظاهرا، وعلى القول الآخر المختار أنهم يتلون ما عندهم من مناجاة الله ودعائه له والثناء عليه عز وجل، وهي كثيرة في كتبهم لا سيما زبور (مزامير) داود -عليه السلام-، كقوله في المزمور السادس والثلاثين: ([٥] يا رب في السماوات رحمتك أمانتك إلى الغمام [٦] عدلك مثل جبال الله وأحكامك لجة عظيمة، الناس والبهائم تخلص يا رب [٧] ما أكرم رحمتك يا الله فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون [٨] يروون من دسم بيتك ومن نهر نعمتك تسقيهم [٩] لأن عندك ينبوع الحياة، بنورك نرى نورا [١٠] أدم رحمتك للذين يعرفونك وعدلك للمستقيمي القلب [١١] لا تأتيني رجل الكبرياء ويد الأشرار لا تزحزحني [١٢] هناك سقط فاعلو الإثم دحروا فلم يستطيعوا القيام"، وقوله في المزمور الخامس والعشرين: " [١] إليك يا رب أرفع نفسي [٢] يا إلهي عليك توكلت فلا تدعني أخزى، لا تشمت بي أعدائي [٣] أيضا كل منتظريك لا يخزوا، ليخز الغادرون بلا سبب [٤] طرقك يا رب عرفني، سبلك علمني [٥] دربني في حقك وعلمني، لأنك أنت إله خلاصي، إياك انتظرت اليوم كله [٦] أذكر مراحمك يا رب وإحساناتك لأنها منذ الأزل هي [٧] لا تذكر خطايا صباي ولا معاصي، كرحمتك اذكرني أنت من أجل جودك يا رب". وأمثال هذه الأدعية والمناجاة كثيرة جدا وإذا رآها العربي البليغ غريبة الأسلوب فليذكر أنها ترجمة ضعيفة وأن قراءتها بلغة أهل الكتاب أشد تأثيرا في النفس من قراءة ترجمتها هذه" (١٠).


(١) مجلة المنار (١٣/ ٢٢).
(٢) رشيد ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ١٦٢ - ١٦٣.
(٣) رشيد ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ١٦٢ - ١٦٣.
(٤) حبيب السامرائي ٤٣٩.
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٩٨).
(٦) تفسير المنار (٥/ ٩٨).
(٧) صواعق من نار على صاحب المنار للشيخ يوسف الدجوي الحنفي
(٨) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٦٤)
(٩) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٢٠ - ٤٨).
(١٠) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٦٠).

<<  <   >  >>