للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتكلم عن بعض المفسرين وذكر أقوالهم، فمثلا عند تفسير: (فلا تركنوا) ذكر ١١ قول للمفسرين، فقال (١): (نموذج من قصور أقوال المفسرين وغلطهم وتقليدهم في تفسير الآية: الروايات المأثورة والمعتمدون عليها:

روى الإمام ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه فسر الآية بالركون إلى الشرك، (وهو أقوى ما روي فيها)، وروي عنه تفسيره بالميل وأنه قال: لا تميلوا إلى الذين ظلموا.

وروى عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم - ولا تركنوا - لا تذهبوا، وهو ليس تفسيرا بالمعنى اللغوي، ولا يظهر المراد الشرعي منه إلا بقرينة ما قبله إن جمع بينهما بإرادة المشركين الظالمين للمؤمنين.

وما قاله ورواه حق في نفسه ولكنه لا يحيط بمعنى الآية، وما كانت تلك الروايات إلا كلمات مجملة وجيزة ذكرت بالمناسبة لا يقصد تحقيق معنى الآية في لغتها وأسلوبها وموقعها من العبرة بقصص الرسل مع أقوامهم الظالمين، وقال مثله كل من البغوي وابن كثير فإنهما يعتمدان على المأثور قل أو كثر.

(٢) قال أبو بكر الجصاص الحنفي المتوفى سنة ٣٧٠ هـ في تفسيره (أحكام القرآن): والركون إلى الشيء: هو السكون إليه والمحبة، فاقتضى ذلك النهي عن مجالسة الظالمين ومؤانستهم والإنصات إليهم، وهو مثل قوله تعالى: (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) ٦: ٦٨، وقد أبعد كل البعد، وإنما هو فقيه لا لغوي ولا مفسر عام.

(٣) قال الزمخشري المعتزلي المتوفى سنة ٥٣٨ هـ في كشافه بعد ذكر القراءات في الآية: والنهي متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم، وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، وتأمل قوله: (ولا تركنوا)، فإن الركون هو الميل اليسير، وقوله: (إلى الذين ظلموا)، أي إلى الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل: إلى الظالمين، انتهى المراد منه، وذكر بعده حكاية صلاة الموفق خلف الإمام الذي قرأ الآية فغشي عليه وتقدمت، وموعظة بليغة وعظها للزهري أحد إخوانه من عباد السلف وزهادهم، أقول: كل ما أدغمه في النهي عن الركون إلى الذين ظلموا قبيح في نفسه لا ينبغي للمؤمن اجتراحه، وقد يكون من لوازم الركون الحقيرة، ولكن لا يصح أن يجعل شيء منه تفسيرا للآية مرادا منها والمخاطب الأول بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون، إلى التوبة من الشرك والإيمان معه، ثم نقل كلام ابن العربي واعقبه بقوله: وقد أصاب المعنى اللغوي والمأثور دون فقه الآية، وتبعه القرطبي المتوفى سنة ٦٧١ هـ في تفسيره جامع أحكام القرآن فنقل كلامه بدون عزو إليه ولم يزد عليه، ثم ختم: أختم هذه النقول بما أورده السيد محمد صديق حسن خان نائب ملك بهوبال (الهند) المتوفى سنة ١٣٠٧ هـ وفي تفسيره (فتح البيان في مقاصد القرآن) الذي أودعه تفسير أستاذه القاضي الشوكاني المسمى (بفتح القدير) وزاد عليه، فكان ما أورده عنه مغنيا عن أصله، فقد اتفق المفسران على تخطئة الزمخشري ومن تبعه في تفسير الركون بالميل اليسير، وأوردا بعض ما قاله رواة التفسير واللغة في معناه مخالفا له، مما نقلناه وزنا عليه، وانفردنا بتحقيق معناه دونهم ودونهما، ثم انفردا بالبحث الآتى بنصه، قال: "وقد اختلف أيضا الأئمة من المفسرين في هذه الآية، هل هي خاصة بالمشركين أو عامة؟ فقيل: خاصة، وأن معنى الآية النهي عن الركون إلى المشركين وأنهم المرادون بـ (الذين ظلموا) وقد روي ذلك عن ابن عباس، وقيل: إنها عامة في الظلمة من غير فرق بين كافر ومسلم، وهذا هو الظاهر من الآية، ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون لكان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) أ. هـ (٢).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ١٤٢ - ١٤٨).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ١٤٢ - ١٤٨).

<<  <   >  >>